للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحينئذ فلا يصلح لها إلا من كان من كرام الخيم «١» بارز الخيام لاصطناع المعروف، ومع سموّ الرّتبة سامي الهمّة لإغاثة الملهوف، ومع عزّ الجناب لدى ملكه ليّن الجانب لذي المسألة، ومع قربه بحضرة سلطانه قريبا من الرّعيّة حتّى من المسكين والأرملة.

وغير خاف أن كلّ وصف من هذه الأوصاف مع مقابله كالضّدّين اللّذين لا يجتمعان بحال، والنّقيضين اللّذين قضى العقل بأنّ الجمع بينهما محال، وأنّى يجتمع العالي والهابط، والمرتفع والسّاقط؟ أم كيف تتّصل الأرض بالسّماء، أو يقع امتزاح عنصر النّار بعنصر الماء؟ ومن ثمّ عزّ هذا المطلب لهذه الوظيفة حتّى إنّه لأعزّ من الجوهر الفرد، وقلّ وجوده حتّى لم يوجد إلا في الواحد الفذّ [الفرد] ، فلا تراه إن تراه إلا في حيز النّادر، ولا تظفر به إلا ظفرك ببيض الأنوق «٢» إن كان يظفر به ظافر؛ إلا أنه ربّما سمح الدّهر فأتى بالفذّ من هذا النّوع في الزّمن المتباعد، أو أسعد الدّهر فأسعف بالواحد بعد ألف واحد.

ثم قد مضت برهة من الأيام وجيد ديوان الإنشاء من نظر من هو متّصف ببعض هذه الأوصاف عاطل، والدّهر يعد بمن يقوم فيه بتفريج كربة الملهوفين ولكنّه يماطل:

يرفّه ما يرفّه في التّقاضي ... وليس لديه غير المطل نقد!

إلى أن طلع نيّر الزّمان وتوضّح شروقه، وظهرت تباشير صباحه وأفل بطلوع السّعد عيّوقه «٣» ، فأقبلت الدولة الظاهرية بسعادتها، وتلقّتها الأيام الناصرية جارية منها على وفق عادتها، ووفّر للدّولتين من انتخاب الأصفياء

<<  <  ج: ص:  >  >>