فكان عليه أن يذكرها
مع جوابه عنها، ليكون القاريء على بينة من الأمر. وإن من غرائبه أنه استشهد
لما ذهب إليه بما نقله عن عبد الرزاق - وهو في " مصنفه " (٢ / ٥١٩) - من
طريق داود بن أبي عاصم قال: " سألت ابن عمر عن الصلاة في السفر؟ فقال:
ركعتان. قلت: كيف ترى ونحن ههنا بمنى؟ قال: ويحك سمعت رسول الله صلى الله
عليه وسلم وآمنت به؟ قلت: نعم. قال: فإنه كان يصلي ركعتين. فصل ركعتين إن
شئت أو دع ". قلت: وسنده صحيح، وقال عقبه: " وهذا بيان جلي بأمر ابن عمر
المسافر أن يصلي خلف المقيم ركعتين فقط ". قلت: وهذا فهم عجيب، واضطراب في
الفهم غريب، من مثل هذا الإمام اللبيب، فإنك ترى معي أنه ليس في هذه الرواية
ذكر للإمام مطلقا، سواء كان مسافرا أم مقيما. وغاية ما فيه أن ابن أبي عاصم
بعد أن سمع من ابن عمر أن الصلاة في السفر ركعتان، أراد أن يستوضح منه عن
الصلاة وهم - يعني الحجاج - في منى: هل يقصرون أيضا؟ فأجابه بالإيجاب، وأن
النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي فيها ركعتين. هذا كل ما يمكن فهمه من هذه
الرواية، وهو الذي فهمه من خرجها، فأوردها عبد الرزاق في " باب الصلاة في
السفر " في جملة أحاديث وآثار في القصر، وكذلك أورده ابن أبي شيبة في باب "
من كان يقصر الصلاة " من " مصنفه " (٢ / ٤٥١) . وداود بن أبي عاصم هذا طائفي
مكي، فمن المحتمل أنه عرضت له شبهة من جهة كونه مكيا، والمسافة بينها وبين
منى قصيرة، فأجابه ابن عمر بما تقدم، وكأنه يعني أن النبي صلى الله عليه
وسلم قصر في منى هو ومن كان معه من المكيين الحجاج. والله أعلم.