والمناقشة فيه.
ولكنه انتهى في آخره إلى أنه ليس للجار أن يمنع جاره من الوضع، قال (ص ٧٩٦ -
٧٩٧) : " فهو بتقدمه على ما نهاه عنه عليه السلام من ذلك لله عاص، ولنهي
نبيه صلى الله عليه وسلم مخالف، من غير أن يكون ذلك لجاره الممنوع منه حقا
يلزم الحكام الحكم به على المانع، أحب المانع ذلك أو سخط ". فأقول: وهذا
الذي انتهى إليه الإمام الطبري هو الصواب إن شاء الله تعالى، إلا ما ذكره في
الحكام، فأرى أن يترك ذلك للقضاء الشرعي يحكم بما يناسب الحال والزمان، فقد
وصل الحال ببعض الناس إلى وضع لا يطاق من الأنانية والاستبداد ومنع الارتفاق
، بسبب القوانين الوضعية القائمة على المصالح المادية دون المبادىء الخلقية،
فقد حدثني ثقة أنه لما استعد لبناء داره في أرضه رمى مواد البناء في أرض بوار
بجانبه، فمنعه من ذلك صاحبها، وساعده القانون على ذلك ولم يتمكن من متابعة
البناء إلا بعد أن دفع لهذا الظالم الجشع من الدنانير ما أسكته، وأسقط الدعوى
التي كان أقامها على الباني! مع أنه من كبار الأغنياء، وصدق الله: * (كلا
إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى) *، ولا ينفع في مثل هذا الطاغي إلا مثل ما
فعل الأنصار في مثله، وهو ما رواه البيهقي في " سننه " (٦ / ٦٩) من طريق
إسحاق بن إبراهيم الحنظلي بإسناده الصحيح إلى يحيى بن جعدة - وهو تابعي ثقة -
قال: أراد رجل بالمدينة أن يضع خشبة على جدار صاحبه بغير إذنه فمنعه، فإذا من
شئت من الأنصار يحدثون عن رسول الله أنه نهاه أن يمنعه، فجبر على ذلك. وفي
الطريق إلى إسحاق - وهو ابن راهويه - شيخ البيهقي أبو عبد الرحمن السلمي،
وفيه كلام كثير، فإن كان قد توبع فالأثر صحيح، وهو الظاهر من صنيع