. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[التلويح]
النَّظَرِ، وَالْمُرَادُ بِالْمَصْلَحَةِ الْمُحَافَظَةُ عَلَى مَقْصُودِ الشَّرْعِ مِنْ الْمُحَافَظَةِ عَلَى الْخَمْسَةِ الضَّرُورِيَّةِ فَكُلُّ مَا يَتَضَمَّنُ حِفْظَ هَذِهِ الْخَمْسَةِ الضَّرُورِيَّةِ، وَكُلُّ مَا يُقَوِّيهَا فَهِيَ مَصْلَحَةٌ وَدَفْعُهَا مَفْسَدَةٌ وَإِذَا أَطْلَقْنَا الْمَعْنَى الْمُخَيَّلَ أَوْ الْمُنَاسِبَ فِي بَابِ الْقِيَاسِ أَرَدْنَا بِهِ هَذَا الْجِنْسَ وَالْمَصَالِحُ الْحَاجِيَّةُ أَوْ التَّحْسِينِيَّةُ لَا يَجُوزُ الْحُكْمُ بِمُجَرَّدِهَا مَا لَمْ تُعَضَّدْ بِشَهَادَةِ الْأُصُولِ؛ لِأَنَّهُ يَجْرِي مَجْرَى وَضْعِ الشَّرْعِ بِالرَّأْيِ وَإِذَا اعْتَضَدَ بِأَصْلٍ فَهُوَ قِيَاسٌ، وَأَمَّا الْمَصْلَحَةُ الضَّرُورِيَّةُ فَلَا بُعْدَ فِي أَنْ يُؤَدِّيَ إلَيْهَا رَأْيُ مُجْتَهِدٍ وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ لَهُ أَصْلٌ مُعَيَّنٌ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ التَّتَرُّسِ فَإِنَّا نَعْلَمُ قَطْعًا بِأَدِلَّةٍ خَارِجَةٍ عَنْ الْحَصْرِ أَنَّ تَقْلِيلَ الْقَتْلِ مَقْصُودٌ لِلشَّارِعِ كَمَنْعِهِ بِالْكُلِّيَّةِ لَكِنَّ قَتْلَ مَنْ لَمْ يُذْنِبْ غَرِيبٌ لَمْ يَشْهَدْ لَهُ أَصْلٌ مُعَيَّنٌ، وَنَحْنُ إنَّمَا نُجَوِّزُهُ عِنْدَ الْقَطْعِ أَوْ ظَنٍّ قَرِيبٍ مِنْ الْقَطْعِ وَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ نُخَصِّصُ هَذَا الْحُكْمَ مِنْ الْعُمُومَاتِ الْوَارِدَةِ فِي الْمَنْعِ عَنْ الْقَتْلِ بِغَيْرِ حَقٍّ لِمَا نَعْلَمُ قَطْعًا أَنَّ الشَّرْعَ يُؤْثِرُ الْحُكْمَ الْكُلِّيَّ عَلَى الْجُزْئِيِّ، وَأَنَّ حِفْظَ أَهْلِ الْإِسْلَامِ أَهَمُّ مِنْ حِفْظِ دَمِ مُسْلِمٍ وَاحِدٍ وَهَذَا وَإِنْ سَمَّيْنَاهُ مَصْلَحَةً مُرْسَلَةً لَكِنَّهَا رَاجِعَةٌ إلَى الْأُصُولِ الْأَرْبَعَةِ؛ لِأَنَّ مَرْجِعَ الْمَصْلَحَةِ إلَى حِفْظِ مَقَاصِدِ الشَّرْعِ الْمَعْلُومَةِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ، وَلِأَنَّ كَوْنَ هَذِهِ الْمَعَانِي عُرِفَتْ لَا بِدَلِيلٍ وَاحِدٍ بَلْ بِأَدِلَّةٍ كَثِيرَةٍ لَا حَصْرَ لَهَا مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَقَرَائِنِ الْأَحْوَالِ وَتَفَارِيقِ الْأَمَارَاتِ سَمَّيْنَاهُ مَصْلَحَةً مُرْسَلَةً لَا قِيَاسًا؛ إذْ الْقِيَاسُ أَصْلٌ مُعَيَّنٌ وَقَالَ بَعْدَ مَا قَسَّمَ الْمُنَاسِبَ إلَى مُؤَثِّرٍ وَمُلَائِمٍ وَغَرِيبٍ إنَّ الْمَعْنَى الْمُنَاسِبَ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ:
مُلَائِمٌ يَشْهَدُ لَهُ أَصْلٌ مُعَيَّنٌ فَيُقْبَلُ قَطْعًا، وَمُنَاسِبٌ لَا يُلَائِمُ وَلَا يَشْهَدُ لَهُ أَصْلٌ مُعَيَّنٌ فَلَا يُقْبَلُ قَطْعًا كَحِرْمَانِ الْقَاتِلِ لَوْ لَمْ يَرِدْ فِيهِ نَصٌّ مُعَارِضٌ لَهُ بِنَقِيضِ قَصْدِهِ، وَمُنَاسِبٌ يَشْهَدُ لَهُ أَصْلٌ مُعَيَّنٌ لَكِنْ لَا يُلَائِمُ فَهُوَ فِي مَحَلِّ الِاجْتِهَادِ، وَمُلَائِمٌ لَا يَشْهَدُ لَهُ أَصْلٌ مُعَيَّنٌ وَهُوَ الِاسْتِدْلَال الْمُرْسَلُ وَهُوَ أَيْضًا فِي مَحَلِّ الِاجْتِهَادِ.
(قَوْلُهُ لَكِنْ وُجِدَ اعْتِبَارُ الضَّرُورَةِ فِي الرُّخَصِ وَفِي اسْتِبَاحَةِ الْمُحَرَّمَاتِ) أَوْرَدَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَلَيْهِ الِاعْتِرَاضَ السَّابِقَ وَهُوَ أَنَّ هَذَا اعْتِبَارٌ لِلْجِنْسِ الْأَبْعَدِ وَهُوَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute