• شهد ما بعد الفتنة أيضاً ظهور الشيعة وتميزهم بنظريات وآراء خاصة بهم في المجال السياسي. والمذهب الشيعي يرتبط أساساً بمسألة وجدانية أو عاطفية هي حب آل البيت، ثم تطورت هذه العاطفة وأخذت الآراء التي نبتت نتيجة لها تتأصل شيئاً فشيئاً لتصبح مذهباً متميزاً أو فرقة ذات آراء مستقلة في الأصول والحكم والفقه وغيرها.
وتحسن الإشارة إلى أن الشيعة الأولى لم يطعنوا في أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولم يسبوهم ولم يشتموهم، بل كانوا يقدمون أبا بكر وعمر على عليّ، وإنما كان تفضيلهم لعليّ على عثمان، ثم ظهر المفضلة الذين يفضلون علياً على أبي بكر وعمر. ثم أخذ التشيع أبعاداً أخرى أكثر خطورة، حيث جعل يكتنفه الغلو ورفض خلافة الشيخين - أبي بكر وعمر - وشتم أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -.
ومن الملاحظ أن عدة عوامل ساهمت في تطور المذهب الشيعي، ومن أهمها: أن السبئية هم أصل التشيع، وليس أدل على ذلك من أن مبادئ الشيعة تتفق مع بعض الأفكار والمعتقدات التي جاء بها عبد الله بن سبأ، وهي: القول بالوصية والرجعة والبداء وسب الصحابة والبراءة منهم والغلو في علي
- رضي الله عنه -.
ومن المعلوم أن الذي يجمع فرق الشيعة هو: القول بأفضلية عليّ وأحقيته في الخلافة، وأنها ليست من المصالح المرسلة الموكولة إلى نظر العامة، بل هي ركن من أركان الدين.
ولتبرير هذه النظرية قالوا بالوصية، أي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أوصى بالخلافة لعليّ من بعده، وسارعوا إلى وضع الأحاديث في ذلك، كما أنهم قالوا بأن الخلافة بعد عليّ تنحصر في ذريته، وتنتقل بالنص من الإمام إلى من يليه.
• من الآثار السلبية المترتبة على ظهور الخلافات السياسية: أنه كان لظهور الفرق على الصعيد السياسي آثاراً سلبية، إذ كرست بوادر الفرقة والخلاف بين المسلمين، وهي بلا شك من عوامل الضعف والخذلان. فقد احتدم الصراع بين الفئات المختلفة مما كان له الأثر في عرقلة مسير الفتوح الإسلامية. فقد تميزت الفترة التي تلت الفتنة بكثرة الخلافات والحروب التي أضرم نارها حركات لم يستفد منها، إذ استنفدت جهودها في قتال المسلمين بدلاً من الاشتغال بأعمال الجهاد في سبيل الله.
وبالرغم من اعتبار عام واحد وأربعين للهجرة (٦٦١م) هو عام الجماعة، فإن الجماعة لم تكتمل تماماً، وظل هناك من يعارض بالقول والفعل تسويات الأحداث التي جرت في الفترة التي أعقبت مقتل عثمان والأوضاع السائدة في ظل دولة بني أمية، إضافة إلى الذين كانوا يظهرون الوفاق ويبطنون الخلاف.
• ومن آثار الفتنة العقدية: قول الخوارج في الوعيد بتكفير أصحاب الكبائر، وأنهم مخلدون في النار. وقد اشتطوا في نظرتهم تلك لمرتكب الكبيرة، لكن ليس هذا فحسب، وإنما الرزية كل الرزية أن يكون مرتكب الكبيرة عندهم ليس هو الزاني أو السارق أو الكاذب ونحوهم من عصاة الأمة؛ وإنما هو: عثمان وعليّ والزبير وطلحة وعائشة وأبو موسى الأشعري وعمرو بن العاص وأمثالهم من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن ثم قالوا: وعثمان وعليّ من والاهما ليسوا بمؤمنين لأنهم حكموا بغير ما أنزل الله.
ويعتقد الخوارج أن من خالف القرآن بعمل أو برأي أخطأ فيه فهو كافر، ومن ثم قالوا بتكفير أصحاب الكبائر وأنهم مخلدون في النار، مخالفين لما ثبت في كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - من عدم الخلود في النار بسبب ارتكاب الذنب ما لم يكن شركاً.