للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عليك غدا.

قال الشافعي: من نم لك نم عليك (١).

وهذا إشارة إلى أن النمام ينبغي أن يبغض ولا يوثق بقوله ولا بصداقته، لأنه لا يخاف من الله عز وجل فهذا ديدنة وتلك مهنته يحب الفرقة ويزرع الشتات، لا يهنأ بعيش وهو يرى الاجتماع والائتلاف.

مل عن النمام وأزجره فما ... بلغ المكروه إلا من نقل

روي عن علي رضي الله عنه أن رجلا سعى إليه برجل فقال له: يا هذا نحن نسأل عما قلت، فإن كنت صادقا مقتناك، وإن كنت كاذبا عاقبناك، وإن شئت أن نقيلك أقلناك، فقال: أقلني يا أمير المؤمنين (٢).

ويقال: عمل النمام أضر من عمل الشيطان لأن عمل الشيطان بالخيال والوسوسة، وعمل النمام بالمواجهة والمعاينة (٣).

أخي الحبيب:

من نم في الناس لم تؤمن عقاربه ... على الصديق ولم تؤمن أفاعيه

كالسيل بالليل لا يدري به أحد ... من أين جاء ولا من أين يأتيه

الويل للعهد منه كيف ينقضه ... والويل للود منه كيف ينعيه (٤)

قال رجل لعبد الله بن عمر وكان أميرا بلغني أن فلانا أعلم الأمير أني ذكرته بسوء قال: قد كان ذلك، قال: فأخبرني بما قال لك حتى أظهر كذبه عندك؟ قال: ما أحب أن أشتم نفسي بلساني، وحسبي أني لم أصدقه فيما قال، ولا أقطع عنك الوصال (٥).

أما البهتان على البريء: فأثقل من السموات، وويل لمن سعى بوشاية بريء عند صاحب سلطان .. فصدقه فربما جنى على هذا المسلم بأمر يسوءه وليس له ذنب إلا وشاية كاذبة.

قال مصعب بن الزبير: نحن نرى أن قبول السعاية شر من السعاية، لأن السعاية دلالة والقبول إجازة، وليس من دل على شيء فأخبر به كمن قبله وأجازه، فاتقوا الساعي، فلو كان صادقا في قوله لكان لئيما في صدقه حيث لم يحفظ الحرمة ولم يستر العورة.

والسعاية هي النميمة إلا أنها إذا كانت إلى من يخاف جانبه سميت سعاية (٦).

والنميمة يا أخي مبنية على الكذب والحسد والنفاق وهي أثافي الذل.

قال بعضهم: لو صح ما نقله النمام إليك لكان هو المجترئ


(١) السير (١٠/ ٩٩).
(٢) الإحياء (٣/ ١٦٦).
(٣) تنبيه الغافلين (٨٩).
(٤) مكاشفة القلوب (٣٥٤).
(٥) الإحياء (٣/ ١٦٦).
(٦) الإحياء (٣/ ١٦٧).

<<  <   >  >>