للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فأغشى (بصر قلبه) (*) بصر العيون، فكأنه لم ينظر إِلَى ما أنتم إِلَيْهِ تنظرون، وكأنكم لا تنظرون إِلَى ما إِلَيْهِ ينظر، فأنتم منه تعجبون، وهو منكم يعجب، استوحش منكم أنه كان حيًّا وسط موتى.

ومنهم من كان يكرهه أهله وولده لاستنكار حاله، سمع عمر بن عبد العزيز امرأته مرة تقول: أراحنا الله منك. فَقَالَ: آمين.

وقد كان السلف قديمًا يصفون المؤمن بالغربة في زمانهم، كما سبق مثله عن الحسن والأوزاعي وسفيان وغيرهم.

ومن كلام أحمد بن عاصم الأنطاكي -وكان من كبار العارفين في زمان أبي سليمان الداراني-: إني أدركت من الأزمنة زمانًا عاد فيه الإسلام غريبًا كما بدأ، وعاد وصف الحق فيه غريبًا كما بدأ، إِن ترغب فيه إِلَى عالم وجدته مفتونًا بحب الدُّنْيَا، يحب التعظيم والرئاسة، وإن ترغب فيه إِلَى عابد وجدته جاهلاً في عابدته مخدوعًا، صريع عدوه إبليس، قد صعد به إِلَى أعلى درجة العبادة، وهو جاهل بأدناها، فكيف له بأعلاها؟! وسائر ذلك من الرعاع قبيح أعوج، وذئاب مختلفة، وسباعٌ ضارية، وثعالب صائلة، هذا وصف عيون أهل زمانك من حملة أهل العِلْم والقرآن ودعاة الحكمة.

خرجه أبو نعيم في "الحلية".

فهذا وصف أهل زمانه، فكيف بما حدث بعده من العظائم والدواهي التي لم تخطر بباله، ولم تَدُر في خياله؟!

وخرج الطبراني من حديث أبي هريرة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «الْمُتَمَسِّكُ بِسُنَّتِي عِنْدَ فَسَادِ أُمَّتِي لَهُ أَجْرُ شَهِيدٍ» (١).


(*) بقلبه: "من المطبوعة، وهي الطبعة المنيرية".
(١) ذكره الهيثمي في "المجمع" (١/ ١٧٢) وقال: رواه الطبراني في "الأوسط"، وفيه محمد بن صالح العدوي، ولم أر من ترجمه، وبقية رجاله ثقات.