رتبته في فنونه وتخرج ابن سينا في كتبه وبعلومه انتفع في تصانيفه كان رجلا تركيا تنقلت به الأسفار إلى أن وصل بغداد وهو يعرف كثيرا من اللغات غير العربي ثم تعلمه وأتقنه.
ثم اشتغل بالحكمة فقرأ على أبي بشر - متى بن يونس الحكيم - من شرح كتاب أرسطو في المنطق سبعين سفرا وكان هو شيخا كبيرا له صيت عظيم يجتمعون في حلقته كل يوم المئون من المنطقيين ثم أخذ طرفا من المنطق من أبي حنا ابن خيلان الحكيم النصراني بمدينة حران ثم نقل إلى بغداد وقرأ بها علوم الفلسفة وتمهر في كتب أرسطو جميعها يقال وجد كتاب النفس لأرسطو عليه مكتوب بخط الفار أبي: إني قرأت هذا الكتاب مائتي مرة وقال: قرأت السماع الطبعي لأرسطو أربعين مرة ومع ذلك إني محتاج إلى معاودته وكان يقول: لو أدركت أرسطو لكنت أكبر تلامذته.
ثم سافر إلى دمشق ثم إلى مصر ثم عاد إلى دمشق فأحسن إليه سلطانها١ سيف الدولة بن حمدان وأجرى عليه كل يوم أربعة دراهم لأنه كان أزهد الناس في الدنيا لا يحتفل بأمر مكتسب ولا مسكن لذلك أقتصر على أربعة دراهم وكان منفردا بنفسه لا يكون إلا في مجتمع ماء أو مشبك رياض ويؤلف كتبه هناك وكان أكثر تصانيفه في الرقاع ولم يصنف في الكراريس إلا قليلا فلذلك كانت أكثر تصانيفه فصولا وتعليقات وبعضها ناقصا.
يحكى أن الآلات المسماة بالقونون من تركيبه.
توفي سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة بدمشق وقد ناهز ثمانين سنة.
وعدد مصنفاته من الكتب والرسالة سبعون كلها نافعة سيما كتابان في العلم الإلهي والمدني لا نظير لهما.
أحدهما: المعروف بالسياسة المدنية.
والأخرى: بالسيرة الفاضلة وصنف كتابا شريفا في إحصاء العلوم والتعريف بأغراضها لم يسبق إليه أحد ولا ذهب أحد مذهبه ولا يستغني عنه أحد من طلاب العلم وكذا كتابه في أغراض أفلاطون وأرسطو أطلع فيه على أسرار العلوم وثمارها علما علما وبين كيفية التدرج من بعضها إليها بعض شيئا فشيئا ثم بدأ بفلسفة أرسطو ووصف أغراضه في تواليفه المنطقية والطبيعية فلا أعلم كتابا أجدى على طلب الفلسفة منه.
وفاراب: إحدى مدن الترك فيما وراء النهر.
١ يحكى أنه دخل على مجلس سيف الدولة وهو بزي الأنراك وكان ذلك زيه دائماً، فتخطى رقاب الناس وكان المجلس مجمع الفضلاء حتى انتهى إلى مجلس سيف الدولة وزاحمه حتى أخرجه عنه فقال سيف الدولة لمماليكه بلسان خاص يسار بهم هذا الشيخ قد أسار الأدب، وإني لسائلة عن أشياء إن لم يعرف بها فأخرجوه، فقال له أبو بو نصر بذلك اللسان: أيها الأمير اصبر فإن الأمور بعواقبها فقال سيف الدولة: أتحسن بهذا اللسان؟ فقال: نعم، بل أكثر من سبعين لساناً، فعظم عنده، ثم أخذ يتكلم في كل فن حتى بز حميع الحاضرين فخلى به سيف الدولة فقال له: تشرب؟ فقال: لا فقال: أتسمع؟ قال نعم، فأحضر الآلات فما حرك احد منها شيئاً إلا ادعى به أبو نصر، ثم أخرج من وسط خريطته عيداناً فركبها فلعب بها فضحك كل من حضر، ثم فكها وركبها آخر فضرب بها فبكى كلهم، ثم فكها وغيّر تركيبها وحركها فنام كلهم حتى البواب فتركهم نياماً وخرج. كذا في مدينة العلوم، منه دام مجده.