للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الناس الضعاف من إغرائها، وتحطم الغرور والكبرياء تحطماً. ويجيء المشهد الثالث حاسماً {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ} هكذا في جملة قصيرة، وفي لمحة خاطفة: {فخسفنا به وبداره الأرض} فابتلعته وابتلعت داره، وهوى في بطن الأرض التي علا فيها واستطال فوقها جزاء وفاقاً " (١).

ومن المعاني الاقتصادية الواردة في قصص القرآن الكريم:

ث- حسن الوفاء والعدالة في المعاملات، مع ذم بخس حقوق الناس. وهذا كله مما يساعد على تكوين مناخ اقتصادي مستقر، تسوده الأمانة، والإنصاف، والاطمئنان، فيزدهر به الاقتصاد، وتنمو به الأسواق، ويعم النفع على الجميع.

ويبدو هذا الأمر واضحاً جلياً في سياق قصة شعيب عليه السلام مع قومه. قال الله تعالى {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ (٨٤) وَيَاقَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} (٢). فهاهنا شعيب عليه السلام حين أمر قومه بعبادة الله وحده، أَتْبَعَ ذلك بالنهي "عن نقص المكيال والميزان وهو التطفيف إذا أعطوا الناس، ثم أمرهم بوفاء الكيل، والوزن بالقسط آخذين ومعطين" (٣). قال الأستاذ سيد قطب رحمه الله "والقضية هنا هي قضية الأمانة والعدالة بعد قضية العقيدة والدينونة أو هي قضية الشريعة والمعاملات التي تنبثق من قاعدة العقيدة والدينونة. . فقد كان أهل مدين وبلادهم تقع في الطريق من الحجاز إلى الشام ينقصون المكيال والميزان، ويبخسون الناس أشياءهم، أي ينقصونهم قيمة أشيائهم في المعاملات. وهي رذيلة تمس نظافة القلب واليد كما تمس المروءة والشرف. كما كانوا بحكم موقع بلادهم يملكون أن يقطعوا الطريق على القوافل الذاهبة الآيبة بين شمال الجزيرة وجنوبها. ويتحكموا في طرق القوافل ويفرضوا ما يشاءون من المعاملات الجائرة التي وصفها الله في هذه السورة. ومن ثم تبدو علاقة عقيدة التوحيد والدينونة لله وحده


(١) - في ظلال القرآن. الأستاذ سيد قطب ٥/ ٢٦١٢ - ٢٦١٣.
(٢) - سورة هود. آية: ٨٤ - ٨٥
(٣) - تفسير ابن كثير ٢/ ٥٨٩ - ٥٩٠

<<  <   >  >>