ومن أمر الله أن لا يُذكر الكفر إلا على سبيل الإنكار أو التعجب ونحو ذلك، وقد رواه ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد بلفظ: فإذا أريد أحدهم على شيء من دينه دارت حماليق عينيه.
فهل يظن في أمثال هؤلاء أن يتناشدوا الشعر المحتوي على الكفر لجماله اللغوي وسحر قافيته على سبيل الاستمتاع بأسلوب الشاعر بغض النظر عن المعنى؟!! وقد روى البخاري في الكتاب نفسه ـ الأدب المفرد ـ عن خالد بن كيسان قال: كنت عند ابن عمر، فوقف عليه إياس بن خيثمة، قال: ألا أنشدك من شعري يا ابن الفاروق؟ قال: بلى، ولكن لا تنشدني إلا حسنا، فأنشده حتى إذا بلغ شيئا كرهه ابن عمر قال له: أمسك.
وهذا عثمان بن مظعون ينصرف إلى مجلس من قريش ينشدهم فيه لبيد بن ربيعة الشاعر، فقال لبيد: ألا كل شيء ما خلا الله باطل ـ فقال عثمان: صدقت، قال لبيد: وكل نعيم لا محالة زائل ـ قال عثمان: كذبت، نعيم الجنة لا يزول. رواه ابن إسحاق في السيرة.
وقد قال النووي في شرح حديث جابر بن سمرة: كانوا يتحدثون فيأخذون في أمر الجاهلية فيضحكون ـ فِيهِ جَوَاز الْحَدِيث بِأَخْبَارِ الْجَاهِلِيَّة وَغَيْرهَا مِنْ الْأُمَم. اهـ.
ومما ينبغي أن يُعلم هو أن ناقل الكفر ليس بكافر، فلا حرج في ذكر مثل هذه الأشعار للتحذير منها، وبيان بطلان مضمونها، والتعجب من حال أهلها.
وعلى هذا يحمل ما كان يدور بينهم من حديث الجاهلية أو أمر الجاهلية، على أن أمر الجاهلية لا يلزم أن يكون كفرا، بل الكفر وما دونه يدخل في ذلك، فكل ما يخالف شريعة الإسلام فهو داخل في الجاهلية، قال البخاري في صحيحه: باب المعاصي من أمر الجاهلية، ولا يكفر صاحبها بارتكابها إلا بالشرك، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: إنك امرؤ فيك جاهلية ـ وقول الله تعالى: إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء. اهـ.