للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَبْلِهِمْ} الدار: هي المدينة {تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ} أي: وانتهجوا الإيمان، فهو مفعول فعل محذوف دل المقام عليه (١) {مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا} قال جماعة من أهل العلم: إن المهاجرين أفضل من الأنصار؛ ولذا كان الأنصار لا يكون في صدورهم شيء من فضل المهاجرين عليهم، هكذا قاله غير واحد (٢). {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: الآية ٩] ثم ذكر من يأتي بعدهم، فقال: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ} [الحشر: الآية ١٠] ومن هذه الآيات أخذ مالك بن أنس (رحمه الله) إمام دار الهجرة أن الذين يسبون بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا نصيب لهم في فَيْءِ المسلمين أبداً، وقال لبعضهم: هل أنتم من الفقراء المهاجرين الذين أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وأمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً من الله ورضواناً وينصرون الله ورسوله؟ قالوا: لا، لسنا من هؤلاء.

قال: هل أنتم من الذين قال فيهم: {وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ}؟ قالوا: لا، لسنا من هؤلاء. قال: وأنا أشهد أنكم لستم من الطائفة الثالثة التي قال الله فيها: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ} فأنتم تسبّون الصحابة وتلعنونهم، فلستم من جملة مَنْ جَعَلَ الله لهم شيئاً من المسلمين فلا شيء لكم ألبتة (٣).

وهذه الآيات وأمثالها في القرآن تدل على أن الذين يسبون


(١) انظر: القرطبي (١٨/ ٢٠).
(٢) انظر: ابن كثير (٤/ ٣٣٧).
(٣) تقدم عند تفسير الآية (٤١) من سورة الأنفال.

<<  <  ج: ص:  >  >>