إذاً القول الثاني جواز بيع وشراء الأراضي التي فتحت عنوة بشرط أن يلتزم المشتري بدفع الخراج.
وهو رواية عن الإمام أحمد - رحمه الله - نصرها وأطال في تقريرها شيخ الإسلام - رحمه الله -.
الجواب: عن أن هذه الأراضي وقف عند أصحاب هذا القول: قول شيخ الإسلام - رحمه الله -: أن هذه الأراضي ليست وقفاً من كل جهة بل هي عقد مستقل. بدليل: أن العلماء أجمعوا على أنها تورث والوقف لا يورث. وبدليل: جواز هبة هذه الأراضي والوقف لا يوهب. فيقول الشيخ - رحمه الله -: هذه الأراضي التي أوقفها الخلفاء ليست وقفاً من كل جهة بل هي وقف من جهة ومحررة من جهة أخرى. ونظير ذلك: بيع المنافع الذي تقدم معنا في أول الباب فبيع المنافع ليس بيعاً من كل وجه وليس إجارة من كل وجه فهو إجارة من حيث أنه بيع منافع لأن المنافع موضوعها في الإجارة وهو بيع من حيث التأبيد فهو عقد بين البيع وبين الإجارة لكنهم ذكروه في البيع لأن عقد التأبيد غلب عليه.
فإذاً يوجد في الشرع عقود هي بين عقدين: فبيع المنافع بين عقد البيع وبين عقد الإجارة والأراضي التي لم تقسم: بين الأراضي الموقوفة والأراضي المحررة.
ولاشك أن هذا التقرير بديع جداً من شيخ الإسلام - رحمه الله - وفيه توضيح وجمع بين النصوص التي تدل على جواز هذه الأراضي وشراؤها وبين النصوص التي تدل على المنع.
والأقرب والله أعلم: أنه يجوز أن تباع وتشترى:
- أولاً: لأنه وقع من الصحابة.
- وثانياً: لأن في المنع من مثل هذا حرج شديد.
- وثالثاً: لأن مقصود الخلفاء حين أو قفوا هذه الأراضي هو أن تضرب على رقابها أي: على الأرض نفسها: خراج بمنزلة الأجرة فإذا ضمن هذا الخراج وهذه الأجرة واستمر فلا حرج من البيع ولا مفسدة من تصحيح العقد.
وكما قلت هذا القول إن شاء الله عليه العمل وهو أسهل للمسلمين وفيه فقه وفهم للنصوص التي جاءت عن الصحابة.
* * فإن قيل: لماذا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أبطل العقد؟
فالجواب: لأنه خشي من ضياع الأجرة التي هي الخراج وخشي أن يفهم المسلمون أن الأرض إذا انتقلت إلى مسلم أن الخراج يسقط ولذلك منع من ذلك وأبقى الأراضي في يد أهل الذمة ليبقى الخراج.