وإذا عرفنا مقصود عمر - رضي الله عنه - عرفنا لماذا أبطل البيع. أي: أنه لم يبطله لأن الأرض وقف وإنما لهذا الاعتبار فإذا ضمنا استمرار اخراج والأجرة فلا حرج إن شاء الله.
وعلى هذا العمل اليوم ومنذ قرون أن أراضي الشام ومصر والعراق أنها تباع وتشترى بلا حرج.
* * مسألة / فإن قيل اعتراضاً على الحنابلة: كيف تقولون إن الأراضي التي فتحت عنوة لا تباع ولا تشترى ومكة فتحت عنوة بلا إشكال وتباع وتشترى؟
الجواب: أن مكة - شرفها الله - لا شك أنها فتحت عنوة وهذا مذهب كثير من المحققين وداخلها النبي - صلى الله عليه وسلم - بالجيش فاتحاً. لكن النبي - صلى الله عليه وسلم - خطب فيها وأقر أهلها كل في بيته وأعطاهم بيوتهم ولم يقسم مكة بين المهاجرين ولا بينهم وبين الأنصار وإنما أقرها بأديدي أهلها وصاروا يبيعون فيها ويشترون بمحضر النبي - صلى الله عليه وسلم - والصحابة. فيدل على أنها خصصت في هذا الحكم.
= هذا مذهب الحنابلة. فهم يجيبون عن مكة بمثل هذا. أن مكة مخصوصة من بين الأراضي التي فتحت عنوة بهذا الدليل وهو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما فتحها أقرها في أيدي أهلها.
وعلى القول الراجح لا إشكال ويكون تصرف أهل مكة ببيوتهم وأراضيهم دليل لأصحاب القول الثاني.
- ثم قال - رحمه الله -:
- ولا يباع غير المساكن.
تحدثنا عن الأراضي وباقي المساكن. فالمساكن يجوز أن تباع عند الحنابلة وعند غيرهم.
- وذلك أن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - اقتطعوا خططاً وبنوا فيها مساكن وباعوا واشتروا فيها من غير نكير: في الشام وفي العراق وفي مصر لا سيما في البصرة والكوفة فإنهم أخذوا خططاً كثيرة وبنوا فيها مساكن وتبايعوا - رضي الله عنه -.
فإذاً لا إشكال في المساكن وإذا باع الإنسان المسكن فالبيع عند الحنابلة يقع على المسكن لا على أرض المسكن.
- ثم قال - رحمه الله -:
- ولا يصح: بيع نقع البئر.
نقع البئر: هو الماء المتجمع في قعر البئر. ومثله العيون التي تنبع.
فهذه المياه لا يجوز أن تباع ولا أن تشترى.
ويجوز أن يبيع الإنسان الأرض التي فيها النبع والبئر بمعنى الحائط - جدر البئر.
أما الماء نفسه فإنه لا يجوز أن يباع ولا يشترى.