واستدل هؤلاء بأن المهر من حقيقة العقد، لأن الله تعالى إنما أباح المحصنات بالمهر وقال:{وآتوهن أجورهن} فلما شرط الله للنكاح المهر عرفنا أنه من مقتضيات أصل العقد، وهذا القول رواية عن الإمام أحمد ومذهب المالكية والأحناف ووسع الدائرة شيخ الإسلام وقال المذهب أكثر السلف.
وهذا القول هو الصحيح ويدل على صحته أنا لو صححنا العقد بلا مهر، لصار هذا النكاح يشبه الهبة، والهبة أي جواز أن تهب المرأة نفسها للرجل خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم وعلى هذا القول تنتفي الخصوصية، وكل قول يؤدي إلى انتفاء الخصوصية فهو دليل على ضعفه وخطئه.
إذاً الخلاصة نقول الصواب إن شاء الله أنه إذا اشترط ألا مهر فإن العقد أو الشرط فاسدان.
قال المؤلف - رحمه الله -:
(أو لا نفقة)
يعني أو شرط الزوج ألا نفقة لها، إذا شرط الزوج ألا نفقة لها فالشرط باطل والعقد صحيح، والتعليل هو ما تقدم.
والقول الثاني: أن العقد والشرط صحيحان، فإذا اشترط أنه لن ينفق فالشرط صحيح.
واستدل هؤلاء بالنصوص العامة الآمرة بإيفاء الشروط واستدلوا أيضاً بأن هذا الشرط لا يتناقض مع مقتضى العقد، واستدلوا أيضاً بأن قاعدة أن الشرط إذا تنافى مع مقتضى العقد يبطل ليست بصحيحة، بدليل "أن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز لمن اشترى نخلاً بعد أن تؤبر، أن يشترط ثمر هذه النخل"، مع أن هذا الشرط يتنافى مع مقتضى العقد، لأن مقتضى العقد أنه يبقى ملك للبائع، ومع ذلك صحح الشارع هذا الشرط، وإلى هذا أشار ابن القيم، وبهذا قدح في هذا الأصل الكبير عند الحنابلة، وهو أن الشرط الذي يتنافى مع مقتضى العقد يصبح فاسداً، وهذا القول صحيح، وهو أنه لو شرط عليها أنه لن ينفق فإنه لا يجب عليه أن ينفق، لأنه لا يوجد دليل على اشتراط النفقة لصحة العقد.
قال المؤلف - رحمه الله -:
(أو أن يقسم لها أقل من ضرتها أو أكثر)
نأخذ الصورة الأولى، إذا شرط أن يقسم لها أقل من ضرتها فقال: أني قبلت النكاح بشرط أن يكون لك ليلة وللأخرى ليلتين، فهذا الشرط باطل عند الحنابلة والعقد صحيح، وعليه أن يقسم بالعدل ولو شرط هذا الشرط في العقد.