والقول الثاني: أنّ الشهادة إذا لم تكن معلومة للمشهود له فإنّ بذلها واجب ولا ينتظر بها الطلب لأنّ المشهود له لا يعرف أصلا بهذه الشهادة وإذا لم يعرف بها فإنّ بذلها يصبح واجبا لئلا يضيع الحق على أصحابه وهذا القول إن شاء الله هو الراجح ولا يخفى أنّ هذا القول هو الراجح لأنه المشهود له نفترض فيه أنه لا يعرف الشهادة ولا يدري أنّ زيد أنّ زيد يشهد له أو يمتلك معلومة تفيده في القضية حينئذ نقول إذا علمت بهذا فإنه يجب أن تبذل الشهادة وهذا القول هو المتعيّن ويستوي في هذا ما إذا كان الشاهد يعلم أنّ المشهود له لا يعرف عن شهادته شيئا أو إذا كان يجهل هل يعلم أو لا يعلم. فأيضا في هذه الصورة يجب أن يبذل الشهادة لماذا؟ لأنه قلنا نحن أنّ كتاب القضاء كله في الشرع إنما شرعه الله لإيصال الحق إلى أصحابه فكل ما من شأنه أن يؤدي إلى إيصال الحق إلى أصحابه فهو واجب. الشرط الثاني
قال - رحمه الله - (وقدِر بلا ضرر في بدنه أو عرضه أو ماله أو أهله وكذا التحمل)
يشترط للتحمل والأداء أن لا يترتب على أيّ منهما ضرر فإن ترتب عليه ضرر فإنه لا يكلف لا أن يتحمل ولا أن يشهد لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لا ضرر ولا ضرار. واستدل الحنابلة أيضا بتعليل جميل وهو أنه لا يجب على الإنسان أن ينفع غيره بما يضر به نفسه هذه كالقاعدة. ولهذا نحن نقول يجب على المسلم أن ينقذ الغريق إذا كان يحسن السباحة فإذا كان لا يحسن فإنه لا يجب عليه
وهذه ترجع لهذه القاعدة المذكورة.
ثم - قال رحمه الله - (ولا يحل كتمانها)
كأنّ المؤلف ذكر هذا ليرتب عليه ما بعده. وأما تحريم الكتمان فهو مستفاد من ماذا؟ كونها فرض عين فنحن نقول دليل تحريم الكتمان
أنّ الأداء فرض عين لكن لعل الشيخ - رحمه الله - ذكرها ليرتب عليها ما بعدها.