للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وغير ذلك مما هو معروف في موضعه، وهو أحد القولين في مذهب أحمد. فلو كانت المسافة محدودة لكان حدها بالبريد أجود، لكن الصواب أن السفر ليس محددًا بمسافة بل يختلف، فيكون مسافرًا في مسافة بريد، وقد يقطع أكثر من ذلك ولا يكون مسافرًا.

الدليل الرابع: أن المسافر رخص الله له أن يفطر في رمضان، وأقل الفطر يوم، ومسافة البريد يذهب إليها ويرجع في يوم، فيحتاج إلى الفطر فى شهر رمضان، ويحتاج أن يقصر الصلاة بخلاف ما دون ذلك، فإنه قد لا يحتاج فيه إلى قصر ولا فطر إذا سافر أول النهار ورجع قبل الزوال، وإذا كان غدوه يومًا، ورواحه يومًا، فإنه يحتاج إلى القصر والفطر، وهذا قد يقتضي أنه قد يرخص له أن يقصر ويفطر في بريد، وإن كان قد لا يرخص له في أكثر منه إذا لم يعد مسافرًا.

الدليل الخامس: أنه ليس تحديد من حدّ المسافة بثلاثة أيام بأولى ممن حدها بيومين، ولا اليومان بأولى من يوم، فوجب أن لا يكون لها حد بل كل ما يسمى سفرًا يشرع. وقد ثبت بالسنة القصر في مسافة بريد، فعلم أن في الأسفار ما قد يكون بريدًا، وأدنى ما يسمى سفرًا في كلام الشارع البريد، وأما ما دون البريد كالميل فقد ثبت في "الصحيحين" من حديث النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه كان يأتي قباء كل سبت وكان يأتيه راكبًا وماشيًا، ولا ريب أن أهل قباء وغيرهم من أهل العوالي كانوا يأتون إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولم يقصروا الصلاة هو ولا هم.

وقد كانوا يأتون الجمعة من نحو ميل وفرسخ ولا يقصرون الصلاة، والجمعة على من سمع النداء، والنداء قد يسمع من فرسخ، وليس كل من

<<  <   >  >>