للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

شيء، كنت أنا الّذي ألي ذلك منه منذ بعثه الله إلى أن توفّي، وكان إذا أتاه الإنسان مسلمًا فرآه عاريًا يأمرني فأنطلق فأستقرض فأشتري له البردة، فأكسوه، وأطعمه، حتّى اعترضني رجل من المشركين، فقال: يا بلال إنّ عندي سعةً فلا تستقرضْ من أحد إلاّ منّي. ففعلت فلمّا أن كان ذات يوم توضّأت ثمّ قمت لأؤذّن بالصّلاة، فإذا المشرك قد أقبل في عصابة من التّجّار، فلمّا أن رآني قال: يا حبشيّ. قلت: يا لبّاه. فتجهّمني، وقال لي قولاً غليظًا، وقال لي: أتدري كم بينك وبين الشّهر؟ قال: قلت: قريب. قال: إنّما بينك وبينه أربع، فآخذك بالّذي عليك فأردّك ترعى الغنم كما كنت قبل ذلك. فأخذ في نفسي ما يأخذ في أنفس النّاس، حتّى إذا صلّيت العتمة رجع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى أهله، فاستأذنت عليه فأذن لي، فقلت: يا رسول الله بأبي أنت وأمّي إنّ المشرك الّذي كنت أتديّن منه قال لي كذا وكذا، وليس عندك ما تقضي عنّي ولا عندي وهو فاضحي، فأذنْ لي أن آبق إلى بعض هؤلاء الأحياء الّذين قد أسلموا حتّى يرزق الله رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ما يقضي عنّي. فخرجت حتّى إذا أتيت منْزلي فجعلت سيفي وجرابي ونعلي ومجنّي عند رأسي، حتّى إذا انشقّ عمود الصّبح الأوّل أردت أن أنطلق فإذا إنسان يسعى يدعو: يا بلال أجب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

فانطلقت، حتّى أتيته فإذا أربع ركائب مناخات عليهنّ أحمالهنّ، فاستأذنت فقال لي رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((أبشر فقد جاءك الله بقضائك)) ثمّ قال: ((ألم تر الرّكائب المناخات الأربع) فقلت: بلى، فقال: ((إنّ لك رقابهنّ، وما عليهنّ، فإنّ عليهنّ كسوةً وطعامًا، أهداهنّ إليّ عظيم فدك، فاقبضهنّ واقض دينك))، ففعلت، فذكر الحديث: ثمّ انطلقت إلى المسجد فإذا

<<  <   >  >>