أَبِي يُوسُفَ، ثُمَّ عَامَّةُ أَصْحَابِنَا قَطَعُوا بِهَذَا مَعَ ذِكْرِ بَعْضِهِمْ لِلْخِلَافِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ بِصِحَّةِ الْعَقْدِ وَفَسَادِ الشَّرْطِ فِي الصُّورَةِ الثَّالِثَةِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ: النِّكَاحُ جَائِزٌ، وَالشَّرْطُ فَاسِدٌ كَسَائِرِ الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ عِنْدَهُمْ، سَوَاءٌ قَالَ: عَلَى أَنَّهُ إذَا أَحَلَّهَا فَلَا نِكَاحَ، أَوْ قَالَ: عَلَى أَنْ يُطَلِّقَهَا إذَا أَحَلَّهَا، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ الثَّوْرِيِّ، وَذُكِرَ ذَلِكَ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ فِي نِكَاحِ الْمُحَلِّلِ. وَفِيهِ نَظَرٌ عَنْهُ، وَعَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى فِي نِكَاحِ الْمُحَلِّلِ وَنِكَاحِ الْمُتْعَةِ أَنَّهُ أَبْطَلَ الشَّرْطَ فِي ذَلِكَ، وَأَجَازَ النِّكَاحَ، وَهَذَا يَقْتَضِي صِحَّةَ النِّكَاحِ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ.
وَقَدْ خَرَّجَ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ مِنْ الْخِلَافِ، وَأَبُو الْخَطَّابِ رِوَايَةً بِصِحَّةِ الْعَقْدِ وَفَسَادِ الشَّرْطِ، وَفِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ - مِنْ رِوَايَةٍ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي النِّكَاحِ الْمَشْرُوطِ فِيهِ الْخِيَارُ، أَوْ أَنَّهُ إنْ جِئْتَنِي بِالْمَهْرِ إلَى وَقْتِ كَذَا، وَإِلَّا فَلَا نِكَاحَ بَيْنَنَا - أَنَّ الْعَقْدَ صَحِيحٌ وَالشَّرْطَ بَاطِلٌ، وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ طَرَدَ التَّخْرِيجَ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ وَهُوَ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ عَلَى الْمَذْهَبِ. بَلْ لَا يَجُوزُ نِسْبَةُ مِثْلِ هَذَا إلَى الْإِمَامِ أَحْمَدَ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَتِلْكَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّهُ هُنَا شَرَطَ الْفُرْقَةَ الرَّافِعَةَ لِلْعَقْدِ عَيْنًا وَهُنَاكَ إنَّمَا شَرَطَ الْفُرْقَةَ إذَا لَمْ يَجِئْهُ بِالْمَهْرِ، أَوْ إذَا اخْتَارَهَا صَاحِبُ الْخِيَارِ. فَأَيْنَ هَذَا مِنْ هَذَا؟ وَالثَّانِي: أَنَّ الْمَقْصُودَ بِاشْتِرَاطِ الْمَجِيءِ بِالْمَهْرِ تَحْصِيلُ الْمَقْصُودِ بِالْعَقْدِ وَفِي مَسْأَلَةِ الْخِيَارِ يَلْزَمُ الْعَقْدُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ، وَهُنَا الشَّرْطُ مُنَافٍ لِمَقْصُودِ الْعَقْدِ، وَهُوَ إمَّا مُوجِبٌ لِلْفُرْقَةِ عَيْنًا بِحَيْثُ تَقَعُ الْفُرْقَةُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ، كَنِكَاحِ الْمُتْعَةِ، أَوْ مُوجِبٌ لِإِيقَاعِ الْفُرْقَةِ عَلَى الزَّوْجِ.
الثَّالِثُ: أَنَّ تِلْكَ الْأَنْكِحَةَ مَقْصُودَةٌ يُرِيدُ بِهَا النَّاكِحُ مَا يُرَادُ بِالْمَنَاكِحِ، وَهُنَا إنَّمَا الْمَقْصُودُ تَحْلِيلُ الْمُحَرَّمَةِ لِزَوْجِهَا، فَالْمَقْصُودُ زَوَالُ النِّكَاحِ لَا وُجُودُهُ.
ثُمَّ عَامَّةُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ لَا يُبْطِلُونَ الْعَقْدَ يَكْرَهُونَ نِكَاحَ الْمُحَلِّلِ، وَإِنْ لَمْ يُبْطِلُوهُ وَيَنْهَوْنَ عَنْهُ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِمَا، وَلَمْ يَبْلُغْنَا عَنْ أَحَدٍ خِلَافُ ذَلِكَ فِيمَا إذَا ظَهَرَ مِنْ الزَّوْجِ أَنَّهُ يُرِيدُ التَّحْلِيلَ.
فَأَمَّا إذَا أَضْمَرَ ذَلِكَ، فَقَدْ حُكِيَ عَنْ أُولَئِكَ النَّفَرِ مِنْ التَّابِعِينَ إنْ صَحَّتْ الْحِكَايَةُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute