لكن كل هذه القاعدة قاعدة مبنية على شفا جرف هار؛ لأنها قاعدة تقتضي تقديم المعقول على المنقول، والعقل يقتضي تقديم المنقول على المعقول.
وهذا من العجب؛ أن يقولوا: نحن نبع العقل، وهم يهدمون العقل بما يدعونه عقلا؛ لان العقل يقتضي أن هذه الأمور الغيبية نقتصر فيها على الخبر المجرد، لان العقل لا يمكن أن يتحكم فيها أو يدركها، فكان مقتضى العقل الصريح أن يرجع فيها إلى النقل فالخبر المحض الذي لا تدركه بعقلك كيف ترجع إلى عقلك فيه؟!
فمثلا: لو رجعت إلى عقلك بالنسبة إلى حال شخص من البشر، فلا يمكن أن تحكم بعقلك على أحواله، ولكن تعتمد في الحكم على أحواله على ما نقله عن نفسه أو ما نقل عنه بخبر الصادق، أما أن تحكم عليه بعقلك فهذا غير صحيح؛ فكل له تصرف يختص به، فأنت ربما في بيتك تقوم وتفطر وتروح لعملك، وربما هو يقوم ولا يفطر بل يروح إلى العمل قبل أن يفطر، وبذلك يختلف عنك، هذا وهو بشر، حاله قريبة من حالك، كيف بالله عز وجل؟! كيف تحكم على الله بعقلك والعقل يقتضي أن تعتمد في ذلك على النقل، لان هذا لا يثبت إلا بالخبر المحض.
ولهذا نقول: انتم يا أصحاب العقول هدمتم العقول؛ لأنكم تقولون: العقل يقتضي أن لا يوصف الله بذلك، وهو قد وصف به نفسه، وهو خبر عن أمر لا يدرك بالعقل فالواجب فيه الاعتماد على النقل، وتقولون هذا ثابت لله، والله لم يثبته لنفسه، وهذا أيضا إثبات للعقل بما ينافي العقل، لان