إما القول الثاني: فقول الأشاعرة حيث قالوا: إن كلام الله صفة من صفاته وليس بمخلوق، ولكن الكلام الذي نقر به هو المعنى القائم بنفسه، وليس الشيء المسموع الذي يكون بالحروف، فإن هذا الشيء المسموع الذي يكون بالحروف خلق من مخلوقات الله، خلقه الله تعبيرا عما في نفسه، وليس هو كلام الله، لكن إضافته إلى الله من باب المجاز، فتجوز عما كان عبارة عن الشيء فسمي به الشيء، فسمي كلام الله لأنه عبارة عنه، وليس هو كلام الله، بل الكلام هو المعنى القائم بالنفس، وهو أزلي أبدي لا يتعلق بمشيئته، بل هو وصف لازم له كلزوم الحياة والعلم والقدرة.
وعلى زعمهم هذا فهو لا يتكلم متى شاء، كما أنه لا يعلم متى يشاء، بل علمه لازم لذاته، فهم يقولون: الكلام لازم لذاته ولا يتعلق بمشيئته، وعلى ذلك فالجهمية والمعتزلة خير منهم من هذا الوجه؛ لأنهم يقولون: إن كلام الله يتعلق بمشيئته لكنه مخلوق، وهم يقولون لا يتعلق بمشيئته ولا بإرادته.
ثم يقولون: إن ما يسمعه محمد صلى الله عليه وسلم وموسى وغيرهما من كلام الله، إنما هو شيء مخلوق، فهم قد شاركوا الجهمية والمعتزلة في أن ما يسمع مخلوق، لكن الجهمية قالوا: هو كلام الله، وهؤلاء قالوا: عبارة عن كلام الله، فوافقوا الجهمية في أن المسموع مخلوق، وخالفوهم في أنهم قالوا: إنه عبارة، وهؤلاء قالوا: إنه حقيقة.
فصار المعتزلة والجهمية خيراً منهم من هذا الوجه؛ لأن الجهمية والمعتزلة يقولون هذا كلام الله، وهم يقولون: هذا ليس كلام الله، بل هو عبارة عن كلام الله، مع أن الله يصرح أنه كلامه، لكنهم يقولون: لا، بل هو عبارة عن