ثم إن الرحمة تنزل كل وقت، ولا تختص بثلث الليل الآخر، فإذا خصصناها بثلث الليل الآخر فمعنى ذلك أن يبقى الزمن أكثره بدون رحمة.
ثم إن الرحمة لا يمكن أن تقول: من يدعوني فأستجيب له، ومن يسألني فأعطيه؛ لأن الرحمة صفة من صفات الله، ولو قالت هذا القول لكانت إلهاً مع الله، ولهذا لا يصح لنا أن ندعو صفات الله، حتى إن من دعا صفات الله فهو مشرك، فلو قال يا قدرة الله اغفر لي. يا مغفرة الله اغفر لي. يا عزة الله أعزيني. فهذا لا يجوز، بل هو شرك، لأنه جعل الصفة بائنة عن الموصوف، مدعوة دعاء استقلالياً وهذا لا يجوز.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم (برحمتك استغيث)(١) ، فهذا من باب التوسل، يعني استغيث بك برحمتك، فـ (الباء) هنا للاستغاثة والتوسل، وليست داخلة على المدعو حتى نقول إن الرسول صلى الله عليه وسلم دعا أو استغاث برحمة الله، لكن استغاث بالله لأنه رحيم، وهذا هو معنى الحديث الذي يتعين أن يكون معنى له.
وقوله:(وخلقه) يعني ومما يجب إثباته بالدليل القاطع إثبات الخلق. والخلق صفة من صفات الله عز وجل الفعلية من حيث آحادها وأنواعها.
أما من حيث الأصل فهي صفة ذاتية؛ لأن الله تعالى لم يزل ولا يزال خلاقاً.
وقد ثبتت هذه الصفة بقوله تعالى:(هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ)(الحشر: الآية ٢٤) وقال تعالى: (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ)(الحجر: ٨٦) فالخلاق والخالق يؤخذ
(١) رواه الترمذي، كتاب الدعوات، باب منه، رقم (٣٥٢٤) .