لا يوجد في صفات الله صفة سلبية محضة، بل لابد أن تكون متضمنة لكمال ضدها، فإذا استحال الجهل صار كمال العلم واجباً، ولهذا يجب أن يكون الله متصفاً بكمال العلم.
والجهل قد يكون سابقاً للعلم وقد يكون لاحقاً، وكلاهما مستحيل، فما كان سابقاً للعلم فهو جهل، وما كان لاحقاً له فهو نسيان، وكلاهما مستحيل على الرب عز وجل. وقد قال موسى لفرعون حين قال:(قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى)(طه: ٥١) قال موسى: (عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى)(طه: الآية ٥٢) وقوله: (ويستحيل الجهل والعجز) ، أي: ومما يستحيل أيضاً: العجز، والعجز مستحيل بدلالة السمع، ودلالة العقل:
أما السمع: فقد قال الله تعالى: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً قَدِيراً)(فاطر: الآية ٤٤) ومثل هذا النفي (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ)(فاطر: الآية ٤٤) إنما يصاغ فيما كان ممتنعا غاية الامتناع، كما في قوله تعالى:(وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ)(هود: ١١٧)(وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ)(الأنفال: الآية ٣٣) وما أشبه ذلك.
إذاً فالنفي في قوله تعالى:(وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ)(فاطر: الآية ٤٤) ، يدل على امتناع المنفي امتناعاً مطلقاً بكل حال.