ينعدمان بالكلية، بل ولا يبقى شيء أبداً؛ لا سماء ولا أرض، ولا نجوم، ولا شمس، ولا قمر، ولا يبقى إلا الله عز وجل، وهذا مذهب الجهمية، حيث قالوا: بأن الأشياء لا تدوم فكما أن لها ابتداء فلها انتهاء.
وقال بعض منهم بل تفنى الحركات دون الذوات، فحركات الحي تفنى دون ذاته، فيبقى الناس كأنهم أصنام، وهذا مذهب العلاف وهو من المعتزلة، وقد سخر به ابن القيم رحمه الله في النونية (١) ، فقال: على زعمه: أن الإنسان من أهل الجنة إذا رفع إلى فمه فاكهة وجاء وقت الفناء جمع على ما هو عليه، وبقيت الفاكهة بيده لم تصل إلى فمه إلى أبد الآبدين، وإذا كان على أهله من الحور العين أو من نساء الدنيا وأتى وقت فناء الحركات بقي على ما هو عليه إلى أبد الآبدين. وهذا كلام غير معقول، بل أنه ضلال والعياذ بالله، وغالباً ما يكون من لا يبني على علم من الشرع ضحكة.
وقال قوم بعكس القول السابق حيث قالوا بالتسلسل في الابتداء والانتهاء، وأن الخلق قديم كما أنه لا نهاية له، فطردوا المسالة من الوجهين، فقالوا: إذا كنا نقول بإمكان تسلسل الحوادث في المستقبل، وأن الجنة والنار باقية إلى أبد الآبدين، فكذلك في الماضي.
وقال آخرون -وزعموا أنهم أهل السنة - بأن التسلسل في المستقبل واجب وفي الماضي مستحيل، ومعنى ذلك أنه في الزمن الآتي لا تفنى الجنة، ولا تنفى النار ولا يفنى ما فهما، وأما في الماضي فالتسلسل مستحيل لأنه يلزم منه أن تكون الحوادث قديمة كقِدم الله، وهذا شرك.