والمصلي والمتصدق نحن، فنحن المباشرون، ونحن الذين لنا ثمرة هذا العمل من ثواب أو عقاب، أما الله فإنه عز وجل مقدر وخالق فقط، فلما انفكت الجهة صحت النسبة إلى الله والى الإنسان.
فإذا قال قائل: ما الدليل على أن أفعالنا مخلوقة لله؟ قلنا: الأدلة في هذا كثيرة، قال الله تعالى (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ)(البقرة: الآية ٢٥٣) فقوله تعالى: (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ) يدل على أن اقتتالهم بمشيئة الله، ثم قال تعالى:(وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ) إذاً ففعلهم منسوب إلى الله خلقا كما أنه منسوب إلى الله تعالى إرادة وتقديرا.
وقال تعالى:(وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ)(الأنعام: الآية ١١٢) فأضاف فعلهم إلى الله، وأنه واقع بمشيئته، وأما إضافته إلى العبد فهو كثير جدا، كما قال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ)(البقرة: ٢٧٧) فقوله: آمنوا وعملوا الصالحات، وأقاموا الصلاة، وآتوا الزكاة، أضاف الفعل في ذلك كله إليهم.
وقوله تعالى:(لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ)(البقرة: الآية ٢٨٦) ، وقال تعالى:(وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَت)(النحل: الآية ١١١) فأضاف الله تعالى الأفعال والكسب إلى الفاعل المكتسب، وجعل ذلك بمشيئته وتقديره في قوله:(وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ) وفي قوله: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ) وغير ذلك من الآيات.