للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

منا ذلك لكن لم يضطرنا إلى هذا، فنحن نفعل الطاعات باختيارنا، ولا نشعر بأن أحداً يجبرنا عليها، ونفعل المعاصي كذلك باختيارنا، ولا نشعر أن أحداً يجبرنا عليها.

والدليل على أن فعل الإنسان صادر عن إرادة منه - سمعي وواقعي:

أما الدليل السمعي: فالآيات في ذلك كثيرة، منها قوله تعالى: (مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَة) (آل عمران: الآية ١٥٢) وقوله تعالى: (وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ) (البقرة: الآية ٢٧٢) وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات) (١) والأدلة أكثر من أن تحصر بأن فعل العبد صادر باختياره، لكن هذا الاختيار تابع لمشيئة الله، لقوله تعالى: (وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ) (الإنسان: الآية ٣٠) .

أما الدليل الواقعي: فإن كل إنسان يفعل الأفعال وهو لا يشعر أن أحداً يجبره عليها، فيحضر إلى الدرس باختياره، ويغيب عن الدرس باختياره، ولهذا إذا وقع الفعل من غير اختيار لم ينسب إلى العبد، بل يرفع عنه إثمه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصغير حتى يبلغ، وعن المجنون حتى يفيق) (٢) .

ولم ينسب الله عز وجل تقلب أصحاب الكهف إلى أنفسهم بل نسبه إليه، فقال: (وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ) (الكهف: الآية ١٨) ولم يقل يتقلبون، لأنه ليس منهم إرادة، فالنائم لا إرادة له، ولهذا لا يقع طلاقه لو طلق؛ فلو فرضنا أن أحداً كلم زوجته في النوم، وقال: يا فلانة، أنت طالق


(١) رواه البخاري، كتاب بدء الوحي، باب بدء الوحي، رقم (١) ، ومسلم، كتاب الإمارة، باب قوله صلى الله عليه وسلم إنما الأعمال ... ، رقم (١٩٠٧)
(٢) رواه الترمذي، كتاب الحدود، باب ما جاء فيمن يجب عليه الحد، رقم (١٤٢٣) .