للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

هذا التعليل.

أما التعليل الثاني في قوله: (لأنه عن فعله لا يسأل) فهذا صحيح، فالله تعالى لا يسأل عما يفعل، فلا يسأل لماذا هدي هذا الرجل حتى استقام ولماذا أضل الآخر حتى انحرف، فلا يسأل عن هذا؛ لأن الله له الحكمة فيما قدر، لكن بعد أن يوجد السبب المقتضي للثواب أو العقاب، فلو أن الله عاقبه لكان هناك سؤال عن سبب معاقبة الله لهذا الرجل، ولهذا أيضاً يسقط هذا التعليل، ويحمل - إذا أردنا أن نجعله صحيحاً - على أنه لا يسأل عن فعله في إيجاد الأسباب المقتضية للعذاب أو للثواب.

فإذا قال قائل: أليس الخلق كله ملكاً لله؟ وإذا كان ملكاً له أفلا يمكن أن يقال: إن له أن يفعل في ملكه ما شاء؟

فالجواب: بلى، ولكن نقول: هو نفسه عز وجل أخبر بأنه لا يمكن أن يظلم أحداً، ولا يمكن أن يعذب طائعاً، فيكون هذا الشيء - أي تعذيب المطيع - ممتنعاً بمقتضى خبر الله عز وجل، وبمقتضى أسمائه وصفاته، وأنه عز وجل احكم الحاكمين واعدل العادلين.

فحينئذٍ يكون ممتنعاً لأخبار الله بأنه لا يظلم أحداً، وأن (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ) (فصلت: الآية ٤٦) : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ) (الزلزلة: ٧) إلى غير ذلك من الآيات، فهو ممتنع لهذا الوعيد، وإلا فمن المعلوم أن الله يفعل في خلقه ما يشاء، لكن هو نفسه سبحانه وتعالى حرم على نفسه الظلم وأوجب على نفسه أن يثيب المطيع، قال الله عز وجل: (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَإنَّهُ غَفُورٌ