وقوله:(اثنين حافظين للأنام) وهما من الملائكة، والملائكة عالم غيبي خلقهم الله تعالى من نور، وسخرهم لما أراد منهم، منهم العابدون، ومنهم الموكلون ببني آدم، ويختلفون اختلافا كثيراً وليس هم القوى المادية أو العقلية أو ما أشبه ذلك، بل هم أجسام، كما قال تعالى:(جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ)(فاطر: الآية١) ، وهم مخلوقون من النور، ونحن نؤمن بكل من علمنا اسمه منهم، وبصفة كل من علمنا بصفته، وما وراء ذلك من علم الغيب فلا ندري عنه.
ومن جملة هؤلاء الملائكة من ذكرهم المؤلف رحمه الله، وهم الملكان الرقيب والعتيد، وليس الرقيب غير العتيد، بل الرقيب هو العتيد،؛ لأن الله تعالى قال:(رَقِيبٌ عَتِيدٌ)(قّ: الآية١٨) ولم يقل سبحانه: رقيب وعتيد، إذاً الرقيب هو العتيد، وهما ملكان عن اليمين وعن الشمال.
وهذان الاثنان دائمان مع الإنسان لقوله تعالى:(إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)(قّ: الآية١٨) ، وقيل إنهما يفارقانه إذا دخل الخلاء، وإذا كان عند الجماع، فإن صح ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلى العين والرأس، وإن لم يصح فالأصل العموم.
فإن قال قائل: إنهما يكتبان القول ويكتبان الفعل لأنهما - أي القول والفعل - ظاهران، لكن هل يكتبان الهم وهم في القلب أو لا يكتبانه؟
فالجواب: أنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن من هم بالحسنة فلم يعملها كتبت حسنة (١) ، ومن هم بالسيئة فلم يعملها كتبت حسنة، والمعروف أن الذي
(١) رواه البخاري، كتاب الرقاق، باب من هم بحسنة أو بسيئة، رقم (٦٤٩١) ، ومسلم، كتاب الإيمان، باب هم العبد بحسنة....، رقم (١٣٠) .