للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

الموت، وعنده الملائكة المساعدون له الذين نزلوا من السماء، فإنها إذا كانت صالحة كان معهم كفن من الجنة وحنوط من الجنة فلا يدعونها في يده طرفة عين، حتى يضعوها في هذا الكفن وهذا الحنوط، ثم يصعدون بها إلى السماء، ويشعها من كل سماء مقربوها إلى السماء التي فوقها، ويقال ما هذه الروح الطيبة؟ فيقول الملائكة: هذه روح فلان بن فلان، بأطيب ما يسمى به في الدنيا حتى تصل إلى خالقها عز وجل، ثم يقول سبحانه وتعالى: ردوه إلى الأرض، فإني منها خلقته، وفيها أعيده، ومنها أخرجه تارة أخرى، فتعاد روحه في جسده حتى يأتيه الملكان ويسألاه، ثم بعد ذلك تذهب إلى الجنة (١) ، وهذا يدل على أنها جسم، ووجه الدلالة أنها تكفن، ويصعد بها، وتطيب، فهذا يدل على أنها جسم.

ولكن هذا الجسم ليس من جنس الأجسام المعهودة، بل من أجسام لا نعرفها، لأنها ليست من مادة الجسم، والجسم من طين، والنسل من سلالة من ماء مهين، لكن هي من جسم غريب ليس من هذه المواد التي تعرف في الدنيا أبدا، ولذلك قال الله فيها: (قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) (الإسراء: الآية٨٥)

وأما ما وصفها به بعض العلماء من أنها جسم نوراني لطيف، يسري في الجسد سريان النار في الفحم، والماء في اللبن، فهذا لا نجزم به، لكن نجزم بأنها جسم يرى، وأن مادتها من غير مواد الأجسام، وليست من تراب ولا من مني. خلقت - والله أعلم - قبل البدن. أو خلقت عند تكون البدن على الخلاف في ذلك.


(١) تقدم تخريجه ص ٤٣٥.