للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

استدل من يقول إن البشر أفضل من الملائكة بأن الله أمر الملائكة بالسجود لآدم وهو أبو البشر، ومعلوم أن السجود ذل للمسجود له، فيكون المسجود له اعز وأكرم من المساجد.

واستدل من قال: إن الملائكة أفضل بقول الله تبارك وتعالى في الحديث القدسي: ((من ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم)) (١) .

وكلا الاستدلالين في القلب منه شيء؛ أما الأول: فإنه لا يلزم إذا أكرم الله آدم بهذه المنقبة أن يكون البشر أفضل من الملائكة، وذلك للقاعدة العامة وهي أن التميز بخصيصة واحدة لا يقتضي التميز المطلق، ولهذا نجد بعض الصحابة يميزه الرسول صلى الله عليه وسلم بميزة لا تكون لغيره، ولا يقتضي ذلك أن يكون أفضل من غيره.

وأما الثاني: ((من ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم)) ، فالمراد خير من الملأ الذين ذكر الله عندهم، وليس المراد خيراً من كل البشر، ومعلوم أن كون الملائكة الذين عند الله والذين يذكر الله الذاكر فيهم، خيراً من الملأ الذين ذكر الله عندهم٠ - لا يستلزم الخيرية المطلقة. ولهذا نرى التوقف في هذا من ناحيتين:

أولاً: التوقف عن البحث فيه إطلاقاً.

وثانياً: التوقف عن الحكم بتفضيل هؤلاء على هؤلاء.

وقال شيخ الإسلام رحمه الله: الملائكة أفضل باعتبار البداية، والبشر أفضل باعتبار النهاية (٢) . فباعتبار البداية الملائكة أفضل؛ لأنهم خلقوا من


(١) رواه مسلم، كتاب الذكر والدعاء ... ، باب الحث على ذكر الله، رقم (٢٦٧٥) .
(٢) انظر مجموع الفتاوى ٤/٣٤٢-٣٤٣.