وفريق من هذه الجملة، وهو النبات والحيوان، مع مشاركة الجملة المتقدمة في تلك الصورة، يزيد عليها صورة أخرى، يصدر عنها التغذي والنمو.
والتغذي: هو أن يخلف المتغذي، بدل ما تحلل منه، بان يحيل إلى ما التشبه بجوهره مادة قريبة منه، يجتذبها إلى نفسه.
والنمو: هو الحركة في الأقطار الثلاثة، على نسبة محفوظة في الطول والعرض والعمق.
فهذان الفعلان عامان للنبات والحيوان، وهما لا محالة صادران عن صورة مشتركة لهما، وهي المعبر عنها بالنفس النباتية.
وطائفة من هذا الفريق، وهو الحيوان خاصة، مع مشاركته الفريق المتقدم في الصورة الأولى والثانية، تزيد عليه بصورة ثالثة، يصدر عنها الحس والتنقل من حين إلى أخر.
ورأى أيضاً كل نوع من أنواع الحيوان، له خاصية ينحاز بها عن سائر الأنواع، وينفصل بها متميزاً عنها.
فعلم إن ذلك صادر عن صورة له تخصه هي زائدة عن معنى الصورة المشتركة له ولسائر الحيوان، وكذلك لكل واحد من أنواع النبات مثل ذلك.
فتبين له إن الأجسام المحسوسة التي في عالم الكون والفساد، بعضها تلتئم حقيقته من معان كثيرة، زائدة على معنى الجسمية، وبعضها من معان اقل؛ وعلم إن معرفة الأقل اسهل من معرفة الأكثر؛ فطلب أولاً الوقوف على الحقيقة لشيء الذي تلتئم حقيقته من اقل الأشياء، ورأى إن الحيوان والنبات، لا تلتئم حقائقها إلا من معان كثيرة، لتفنن أفعالها؛ فأخر التفكير في صورهما.
وكذلك رأى إن أجزاء الأرض بعضها ابسط من بعض، فقصد منها إلى ابسط ما قدر عليه وكذلك رأى إن الماء شيء قليل التركيب، لقلة ما يصدر عن صورته من أفعال، وكذلك راى النار والهواء.
وكان قد سبق إلى ظنه أولاً، أن هذه الأربعة يستحيل بعضها إلى بعض، وان لها شيئاً واحداً تشترك فيه، وهو معنى الجسمية، وان ذلك الشيء ينبغي إن يكون خلواً من المعاني التي تميز بها كل واحد من هذه الأربعة عن الأخر، فلا يمكن أن يتحرك إلى فوق ولا إلى اسفل، ولا إن يكون حاراً ولا يكون بارداً، ولا يكون رطباً، ولا يابساً، لان كل واحد من هذه الاوصاف، لا يعم جميع الأجسام، فليست إذن للجسم بما هو جسم.
فإذا أمكن وجود جسم لا صورة فيه زائدة على الجسمية، فليس تكون فيه صفة من هذه الصفات، ولا يمكن إن تكون فيه صفة إلا وهي تعم سائر الأجسام المتصورة، بضروب الصور.
فنظر هل يجد وصفاً واحداً يعم جميع الأجسام: حيها وجمادها، فلم يجد شيئاً يعم الأجسام كلها.
إلا معنى الامتداد الموجود في جميعها في الأقطار الثلاثة، التي يعبر عنها بالطول، والعرض، والعمق، فعلم هذا المعنى هو للجسم من حيث هو جسم، لكنه لم يتأت له بالحس وجود جسم بهذه الصفة وحدها، حتى لا يكون فيه معنى زائد على الامتداد المذكور ويكون بالجملة خلواً من سائر الصور.
ثم تفكر في هذا الامتداد إلى الأقطار الثلاثة، هل هو معنى الجسم بعينه، وليس ثم معنى أخر أو ليس الأمر كذلك، فرأى أن وراء هذا الامتداد معنى أخر، هو الذي يوجد فيه هذا الامتداد، وان الامتداد وحده لا يمكن إن يقوم بنفسه كما إن ذلك الشيء الممتد، لا يمكن أن تقوم دون امتداد.
واعتبر ذلك ببعض هذه الأجسام المحسوسة ذوات الصور، كالطين مثلاً، كان له طول وعرض وعمق على قدر ما.
ثم إن تلك الكرة بعينها لو أخذت وردت إلى شكل مكعب أو بيض، لتبدل ذلك الطول وذلك العرض وذلك العمق، وصارت على قدر أخر.
غير الذي كانت عليه، والطين واحد بعينه لم يتبدل، غير أنه لا بد له من طول وعرض وعمق على أي قدر كان، ولا يمكن إن يعرى عنها؛ غير أنها لتعاقبها عليه، تبين له أنها معنى على حياله؛ ولكونه لا يعرى بالجملة عنها، تبين له أنها من حقيقة.
فلاح له بهذا الاعتبار، إن الجسم، بما هو جسم، مركب على الحقيقة من معنين: أحدهما يقوم منه مقام الطين للكرة في هذا المثال.
والأخر: يقوم مقام طول الكرة وعرضها وعمقها، أو المكعب، أو أي شكل كان له.
وانه لا يفهم الجسم إلا مركباً من هذين المعنين، وان احدهما لا يستغني عن الأخر.
ولكن الذي يمكن أن يتبدل ويتعاقب على أوجه كثيرة، وهو معنى الامتداد يشبه الصورة التي لسائر الأجسام ذوات الصور، والذي يثبت على حال واحدة، وهو الذي ينزل منزلة الطين في المثال المتقدم، يشبه معنى الجسمية التي لسائر الأجسام ذوات الصور.