للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَتَقَدَّمَ مَعْنَى الشَّفَاعَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٤٨] .

وَجُمْلَةُ: لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ اسْتِئْنَافٌ بَيَانِيٌّ لِجُمْلَةِ: وَما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ حِينَ يَسْمَعُونَ قَوْلَهُ: مَا نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ يَعْتَادُهُمُ الطَّمَعُ فِي لِقَاءِ شُفَعَائِهِمْ فَيَتَشَوَّفُونَ لِأَنْ يَعْلَمُوا سَبِيلَهُمْ، فَقِيلَ لَهُمْ: لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ تَأْيِيسًا لَهُمْ بَعْدَ الْإِطْمَاعِ التَّهَكُّمِيِّ، وَالضَّمِيرُ الْمُضَافُ إِلَيْهِ عَائِدٌ إِلَى الْمُخَاطَبِينَ وَشُفَعَائِهِمْ.

وَقَرَأَ نَافِعٌ، وَالْكِسَائِيُّ، وَحَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ- بِفَتْحِ نُونِ- بَيْنَكُمْ. فَ (بَيْنَ) عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ ظَرْفُ مَكَانٍ دَالٌّ عَلَى مَكَانِ الِاجْتِمَاعِ وَالِاتِّصَالِ فِيمَا يُضَافُ هُوَ إِلَيْهِ. وَقَرَأَ الْبَقِيَّةُ- بِضَمِّ نُونِ- بَيْنَكُمْ عَلَى إِخْرَاجِ (بَيْنَ) عَنِ الظَّرْفِيَّةِ فَصَارَ اسْمًا مُتَصَرِّفًا وَأُسْنِدَ إِلَيْهِ التَّقَطُّعُ عَلَى طَرِيقَةِ الْمَجَازِ الْعَقْلِيِّ.

وَحَذْفُ فَاعِلِ تَقَطَّعَ عَلَى قِرَاءَةِ الْفَتْحِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ حُصُولُ التَّقَطُّعِ، فَفَاعِلُهُ اسْمٌ مُبْهَمٌ

مِمَّا يَصْلُحُ لِلتَّقَطُّعِ وَهُوَ الِاتِّصَالُ. فَيُقَدَّرُ: لَقَدْ تَقَطَّعَ الْحَبْلُ أَوْ نَحْوُهُ. قَالَ تَعَالَى:

وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ [الْبَقَرَة: ١٦٦] . وَقَدْ صَارَ هَذَا التَّرْكِيبُ كَالْمَثَلِ بِهَذَا الْإِيجَازِ. وَقَدْ شَاعَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ ذِكْرُ التَّقَطُّعِ مُسْتَعَارًا لِلْبُعْدِ وَبُطْلَانِ الِاتِّصَالِ تَبَعًا لِاسْتِعَارَةِ الْحَبْلِ لِلِاتِّصَالِ، كَمَا قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:

تَقَطَّعَ أَسْبَابُ اللُّبَانَةِ وَالْهَوَى ... عَشِيَّةَ جَاوَزْنَا حَمَاةَ وَشَيْزَرَا

فَمِنْ ثَمَّ حَسُنَ حَذْفُ الْفَاعِلِ فِي الْآيَةِ عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ لِدَلَالَةِ الْمَقَامِ عَلَيْهِ فَصَارَ كَالْمَثَلِ. وَقَدَّرَ الزَّمَخْشَرِيُّ الْمَصْدَرَ الْمَأْخُوذَ مِنْ تَقَطَّعَ فَاعِلًا، أَيْ عَلَى إِسْنَادِ الْفِعْلِ إِلَى مَصْدَرِهِ بِهَذَا التَّأْوِيلِ، أَيْ وَقَعَ التَّقَطُّعُ بَيْنكُم. وَقَالَ التفتازانيّ: «الْأَوْلَى أَنَّهُ أُسْنِدَ إِلَى ضَمِيرِ الْأَمْرِ لِتَقَرُّرِهِ فِي النُّفُوسِ، أَيْ تَقَطَّعَ الْأَمْرُ بَيْنَكُمْ» .

وَقَرِيبٌ مِنْ هَذَا مَا يُقَالُ: إِنَّ بَيْنَكُمْ صِفَةٌ أُقِيمَتْ مَقَامَ الْمَوْصُوفِ