فاستحسنت ذلك، فغضب وقال لي: ويلك ما عندك غير الاستحسان؟! قلت له: فما أصنع يا مولانا؟ فقال لي: تصنع هكذا، ثم قام يرقص ويصفّق إلى أن تعب، ثم جلس وهو يقول: ما أصنع وقد ابتليت ببهائم لا يفرّقون بين الدر والبعر، والياقوت والحجر؟! فاعتذرت إليه وسألته أن ينشدني شيئا آخر، فقال لي: قد صنفت كتابا في التجنيس (سماه: أنيس الجليس في التجنيس) في مدح صلاح الدين لما رأيت استحسان الناس لقول البستي، فأنا أنشدك منه، ثم أنشدني لنفسه «١» :
ليت من طوّل بالش ... ام نواه وثوى به
جعل العود إلى الزو ... راء من بعض ثوابه
أترى يوطئني الده ... ر ثرى مسك ترابه
وأرى أي نور عيني ... موطنا لي وترى به
ثم أنشدني لنفسه في وصف ساق:
قل لي فدتك النفس قل لي ... ماذا تريد إذن بقتلي
أأدرت خمرا في كؤو ... سك هذه أم سمّ صلّ
وأنشدني غير ذلك مما ضاع مني أصله.
ثم سألته عمن تقدم من العلماء فلم يحسن الثناء على أحد منهم، فلما ذكرت له المعري نهرني وقال لي: ويلك كم تسيء الأدب بين يديّ؟! من ذلك الكلب الأعمى حتى يذكر بين يديّ في مجلسي؟! فقلت: يا مولانا ما أراك ترضى عن أحد ممن تقدّم، فقال: كيف أرضى عنهم وليس لهم ما يرضيني؟ قلت: فما فيهم قط أحد جاء بما يرضيك؟ فقال: لا أعلمه إلا أن يكون المتنبي في مديحه خاصة، وابن نباتة في