للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خطبه، وابن الحريري في مقاماته، فهؤلاء لم يقصّروا. قلت له: يا مولانا قد عجبت إذ لم تصنّف مقامات تدحض بها مقامات الحريري، فقال لي: يا بني اعلم أن الرجوع إلى الحقّ خير من التمادي على الباطل، عملت مقامات مرتين فلم ترضني فغسلتها، وما أعلم أن الله خلقني إلا لأظهر فضل ابن الحريري. ثم شطح في الكلام وقال: ليس في الوجود إلا خالقان: واحد في السماء وواحد في الأرض، فالذي في السماء هو الله، والذي في الأرض أنا، ثم التفت إليّ وقال: هذا كلام لا يحتمله العامّة لكونهم لا يفهمونه، أنا لا أقدر على خلق شيء إلا خلق الكلام، فأنا أخلقه، ثم ذكر اشتقاق هذه اللفظة. فقلت له: أيا مولانا أنا رجل محدث، وإن لم يكن في المحدث جرأة مات بغصّته، وأحبّ أن أسأل مولانا عن شيء إن أذن لي، فتبسم وقال: ما أراك تسأل إلا عن معضلة، هات ما عندك. قلت: لم سميت بالشميم؟

فشتمني ثم ضحك وقال: اعلم أنني بقيت مدة من عمري- ذكرها هو وأنسيتها أنا- لا آكل في تلك المدة إلا الطين فحسب قصدا لتنشيف الرطوبة وحدّة الحفظ، وكنت أبقى أياما لا يجيئني الغائط فإذا جاء كان شبه البندقة من الطين، وكنت آخذه وأقول لمن أنبسط إليه: شمّه فإنه لا رائحة له، فكثر ذلك حتى لقّبت به، أرضيت يا ابن الفاعلة؟ هذا آخر ما جرى بيني وبينه.

ثم أنشدت له من حماسته:

لا تسرحنّ الطرف في بقر المها ... فمصارع الآجال في الآجال «١»

كم نظرة أردت وما أخذت يد ... الممصمي لمن قتلت أداة قتال

سنحت وما سمحت بتسليم و ... إغلال التحية فعلة المغتال «٢»

أضللت قلبي عندهنّ ورحت ... أنشده بذات الضال ضلّ ضلالي

ألوي بألوية العقيق على الطلو ... ل مسائلا من لا يجيب سؤالي

تربت يدي في مقصدي من لا يدي ... قودي وأولى لي بها أولى لي «٣»

<<  <  ج: ص:  >  >>