فلما وقف ابن العميد أبوه على ذلك غضب وقال: أمثل ولدي يكتب مثل هذا الفحش والفجور؟! ثم قال: أما والله لولا ولولا ولولا ثم أمسك كأنه يشير إلى ما حكم له من سوء العاقبة وقصر العمر.
حكى أبو الحسين ابن فارس مما أورده أبو منصور في «اليتيمة» قال «١» : كنت عند الأستاذ أبي الفتح ابن العميد في يوم شديد الحرّ، فرمت الشمس بجمرات الهاجرة فقال لي: ما قول الشيخ في قلبه، فلم أحر جوابا لأني لم أفطن لما أراد، ولما كان بعد هنيهة أقبل رسول الأستاذ الرئيس يستدعيني إلى مجلسه، فقمت إليه، فلما مثلت بين يديه تبسم ضاحكا إلي وقال: ما قول الشيخ في قلبه؟ فبهتّ وسكت، وما زلت أفكر حتى انتبهت على أنه أراد الخيش، وكان من يشرف على أبي الفتح من جهة أبيه أتاه بتلك اللفظة في تلك الساعة، فدعاني لفرط اهتزازه لها ما اراد مجاراتي فيها، وقرأت صحيفة السرور من وجهه إعجابا بها، ثم أخذت أتحفه بنكت نثره وملح نظمه، فكان مما أعجب به وتعجب منه واستضحك له حكايتي رقعة وردت له عليّ وصدرها: وردت رقعة الشيخ أصغر من عنفقة بقة، وأقصر من أنملة نملة.
وقرأت في «تاريخ» أبي المعالي زين الكفاة الوزير أبي سعد منصور بن الحسين الآبي قال: كان عضد الدولة ينقم على أبي الفتح ابن العميد أشياء، وكان من أعظمها في نفسه حديثه ببغداد لما خرج لنجدة بختيار، فإنه جرّد القول والفعل في ردّ عضد الدولة عن بغداد، وأقام لنفسه بذلك ببغداد سوقا تقدم بها عند أهل البلد والخليفة حتى لقبه الخليفة ذا الكفايتين وكنّاه في كتابه بأبي الفتح. ولما انصرف عضد الدولة عن بغداد وقد ظهرت له مخايل الغدر من بختيار وقيام أهل بغداد عليه وتصريحهم بالشتم له ولقبوه زريقا الشارب، وذلك أن عضد الدولة تقدم باتخاذ مزمّلة في داره ليشرب منها الجند والعامة، ولم يكن عهد مثل ذلك في دور السلاطين قبل، وكان في نفسه أزرق العين فلقبوه بذلك، فكان يقول: خرجت من بغداد وأنا زريق الشارب، وابن العميد الوزير ذو الكفايتين أبو الفتح. فلما مات ركن الدولة في ست