يا أبا جعفر بن إسحاق إني ... خانني فيك نازل الأحداث
من هوى من مصاعد العزّ قسرا ... يك تحت الرجام في الأجداث
فلك اليوم من قواف حسان ... سرن في المدح سيرها في المراثي
مع كتب جمعن في كلّ فنّ ... حين يروين ألف باك وراثي
قائل كلها بغير لسان ... رحم الله ذلك البحاثي
وذكر محمد بن محمود النيسابوري في «كتاب سر السرور» أن شعر البحاثي نيف على عشرين ألف بيت، وأنه وقف عليه في تسع مجلدات، فانتخبت من ذلك المنتخب في هذه الورقة:
بأبي من عند لثمي ... زاد في عشقي بشتمه
ومضى يبكي ويمحو ... أثر اللثم بكمّه
وله مثله:
بليت بطفل قلّ طائل نفعه ... سوى قبل يزري بها طول منعه
ويمسحها من عارضيه بكمّه ... ويغسلها عن وجنتيه بدمعه
يكاشفني إن لاح شخصي بعينه ... ويغتابني إن مرّ ذكري بسمعه
ولم أجد له في غير الهجاء السخيف شيئا استحسنته، قال يهجو:
ألا إن هذا البيهقيّ محدّث ... مسيلمة الكذاب في جنبه ملك
ففي وجهه قبح وفي قلبه عمى ... وفي نطقه كذب وفي دينه حلك
لو ابن معين كان حيّا لجاءه ... وبالسلح سلح الكلب لحيته دلك
فلا تعجبا إن مدّ في عمر مثله ... ويهلك أهل الفضل إذ خرف الفلك
وله:
مأتم الشيخ مأنس للكرام ... جئته قاضيا لحقّ الحمام
مع حزن يحكي حزين الأغاني ... وبكاء يحكي بكاء الحمام
كجهام الغمام جفنا ووجها ... مكدي الدمع واري الإبتسام