للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سنة. وكان يحفظ في النحو «كتاب الإيضاح» لأبي علي، وعروض الصاحب ابن عباد، وكان يحفظ في المنطق أرجوزة أبي علي ابن سينا، وكان قيّما بمعرفة قانون الطب له، وكان عارفا باللغة العبرانية ويناظر أهلها بها، حتى لقد سمعت بعض رؤساء اليهود يقول له: لو حلّفت أنّ سيدنا كان حبرا من أحبار اليهود لحلفت فإنه لا يعرف هذه النصوص بالعبرانية إلّا من تدرّب بهذه اللغة. وكان الغالب عليه علم الأدب، حتى لقد رأيت الشيخ أبا الفتح عثمان بن عيسى النحوي البلطي، وهو شيخ الناس يومئذ بالديار المصرية، يسأله سؤال المستفيد عن حروف من حوشيّ «١» اللغة. وسأله يوما بمحضري عمّا وقع في ألفاظ العرب على مثال شقحطب فقال: هذا يسمى في كلام العرب المنحوت، ومعناه أن الكلمة منحوتة من كلمتين كما ينحت النجار خشبتين ويجعلهما واحدة «٢» ، فشقحطب منحوت من شق وحطب، فسأله البلطي أن يثبت له ما وقع من هذا المثال إليه ليعوّل في معرفتها عليه فأملاها عليه في نحو عشرين ورقة من حفظه، وسماها «كتاب تنبيه البارعين على المنحوت من كلام العرب» .

قال: ورأيت السعيد أبا القاسم هبة الله بن الرشيد جعفر بن سناء الملك يسأله على وجه الامتحان عن كلمات من غريب كلام العرب وهو يجيب عنها بشواردها، وكان القاضي الفاضل عبد الرحيم بن البيساني قد وضعه على ذلك.

قال: وحدثني عن نفسه قال: لما دخلت خوزستان لقيت بها المجير البغدادي تلميذ الشهرستاني، وكان مبرزا في علوم النظر، فأحبّ صاحب خوزستان أن يجمع بيننا للمناظرة في مجلسه، وبلغني ذلك فأشفقت من الانقطاع لمعرفتي بوفور بضاعة المجير من علم الكلام، وعرفت أنّ بضاعته من اللغة نزرة، فلما جلسنا للمناظرة والمجلس غاصّ بالعلماء فقلت له بعرض الكلام: إذا اشرأبت الطلّة إلى قرينها فأرّها في وبصان أو الجماد إذا تأشّب في المغث «٣» ، فاحتاج إلى أن يستفسر ما قلت، فشنّعت عليه وقلت: انظر إلى المدّعي رتبة الإمامة يجهل لغة العرب التي بها نزل كلام

<<  <  ج: ص:  >  >>