للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إن رأي الإمام مالك في مغازي موسى بن عقبة محل تحفظ وتدبر، إذ إنه لم يطلق كلامه هذا جزافا بل أراد منه إيجاد مصنف في سيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم ومغازيه يقف ندا للسيرة التي كتبها محمد بن إسحاق لرسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلّم، وما ذلك إلا لتعاظم العداء الشخصي بين الإمام مالك وابن إسحاق الذي وصل حدا أن تقاذف الاثنان التهم بينهما «١٦٩» ، فأراد الإمام مالك في مقالته هذه أن يسقط المغازي التي كتبها ابن إسحاق من أعين الناس ويجعل مغازي موسى بن عقبة افضل منها بشحذ همم الناس على قراءتها.

لم نرد في هذا الاستدراك أن نحطّ من مكانة المغازي التي كتبها موسى بن عقبة بل أردنا التنبيه فقط إلى الملابسات التي كانت وراء إصدار مالك مثل هذا الحكم على هذه المغازي، إذا ما علمنا أن الإمام أحمد بن حنبل (ت ٢٤١ هـ) قد وافق على مقالة مالك ولكنه لم يطعن بباقي المصنفات التي عاصرت مغازي ابن عقبة، إذ قال: " عليكم بمغازي موسى بن عقبة فإنه ثقة" «١٧٠» .

حصلت هذه الاراء والأحكام التي أطلقها هؤلاء العلماء على هذه المغازي التي كتبها ابن عقبة، على احترام من جاء بعدها من العلماء، إذ حرصوا


(١٦٩) ينظر، ابن أبي حاتم، تقدمة المعرفة في كتاب الجرح والتعديل، تحقيق: عبد الرحمن المعلي، مجلس دائرة المعارف العثمانية، الهند، ١٣٢١ هـ، ص ٢٢.
(١٧٠) الذهبي، تذكرة الحفاظ، ١/ ١٤٨.

<<  <   >  >>