﴿قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ﴾ أبهمه سترًا على القائلين بقتله ﵇؛ حذرًا عن سوء الظنِّ من السامعين بخصوصهم، وهم أنبياء ﵈، ومَن لم يَنتبِه لهذا قال: يعني: يهوذا، كان هذا القائلُ أحسنهم رأيًا، حيث أنكر كلًّا من الأمرين اللذَين عزموا على أن يفعلوا واحدًا منهما، لمَّا رأى في أحدهما إفراطًا وفي الآخر تفريطًا نظرًا إلى غرضهم؛ لعدم قدرتهم في يوم واحد على تبعيد يوسف ﵇ عن ديارهم.
﴿لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ﴾ فإن القتل عظيمٌ والغرضُ يحصل بدونه. ولم يصرِّح بالنهي عن المنكر الآخر إحالةً له على دلالةِ ما اختاره عليه، كأنه قال: مقدوركم الذي يتم به غرضكم هو هذا.
﴿وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ﴾ الغيابة: ما غاب عن عين الناظر وأظلم.
الجب: البئر الذي لم يُطْوَ، إنما سمي جبًّا لأنَّه ليس فيه غيرُ جَبِّ الأرض؛ أي: قطعها، وغَيَابَتُه أسفلُه الذي يَغيب ما وقع فيه وقعرُه.
وقرئ: ﴿غَيَابَتِ﴾ على الجمع (١)، كأنه لتلك الجبِّ غياباتٌ.
﴿يَلْتَقِطْهُ﴾ الالتقاط: أخذ الشيء من حيث لا يُحتسَبُ، لا الأخذُ مطلقًا، ولهذا حَسُنَ موقعه هاهنا وفي قولهِ تعالى: ﴿فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ﴾ [القصص: ٨].
﴿بَعْضُ السَّيَّارَةِ﴾ أي: بعض المسافرين، فيذهبُ به إلى ناحية بعيدة فتستريحوا منه.
والسيارة: جمع سائرة، وهو كثيرُ السير في الأرض، وإنما اختار صيغةَ المبالغة لأنها المناسبُ لِمَا قصده من الإذهاب إلى ديارٍ بعيدة، وفيما ذُكر قرينةٌ على أنه أِشار بقوله: ﴿فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ﴾ أي: بئرٍ عرَفوها في ديارهم، ولذلك عرَّفها.