للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

نعَم إنَّه في الأصل مصدرُ (شاء)، إلَّا أنَّ إطلاقَه بمعنى مشيءٍ (١) لا يَستلزِمُ الوجودَ في الجملة؛ لأنَّ متعلَّق المشيئةِ قد يكونُ زوالَ الوجودِ، وعدمَ الإيجادِ.

واشتقاقُ القُدر من القَدْر؛ لأنَّ القادرَ يُوقعُ الفعلَ على مِقدار قوَّته (٢)، والقادرُ هو الذي يصحُّ منه الفعلُ والتَّركُ.

وأمَّا الذي إنْ شاءَ فعلَ وإنْ لم يشأْ لم يفعلْ فهو المختارُ، ولا يلزمه أنْ يكونَ قادرًا؛ لجواز أنْ تكونَ مشيئة (٣) الفعلِ لازمًا لذاته، وصحَّةُ الشَّرطيةِ لا تقتضي وجودَ المقدَّم.

واعلم أنَّ ما ذُكر تَتميمٌ لتمثيل شدَّة الأمرِ على المنافقينَ بشدَّته على أصحاب الصيِّب من الحَيرة والخوفِ والدَّهشةِ، بحيثُ إذا صادَفوا خفقةً من البرق انتهزُوها فرصةً، مع خوفِ أنْ يخطفَ أبصارَهم، فخَطَوا خُطواتٍ يسيرةً، وإذا انطوتْ وانطَفتْ حُبسوا عن الحركة وبَقوا متحيِّرينَ خائبينَ.

ثمَّ إنَّ التَّمثيلينِ المذكورينِ جازَ أنْ يكونا مُفْرديْنِ، إلَّا أنَّ الأصحَّ الأفصحَ الذي عليه الفحولُ من علماء البيانِ أنْ يكونا من التمثيلات المركَّبةِ، لا يُتكلَّف لكلِّ جزءٍ جزءٍ من أجزاء الجملةِ الممثَّل لها فُرادى بشيءٍ مشبَّهٍ به من أجزاء الجملةِ الممثَّل بها مُفرَّقةً، كما في قول امرئِ القيْس:

كأنَّ قلوبَ الطَّيرِ رَطْبًا ويابِسًا … لدَى وَكْرِها العُنَّابُ والحشَفُ البالِي (٤)


(١) في "ح" و"ف" و"ك" و"م": (شيء)، والمثبت من "د".
(٢) في "م": (قدرته).
(٣) في "ك": (نسبة).
(٤) انظر: "ديوان امرئ القيس" (ص: ٣٨)، و"الكشاف" (١/ ٨٠). العناب: ثمر، والحشف: اليا بس الفاسد من التمر.