قد دنت آجاله وأحاط بأهله الأوجال، إذ ظهر من قبل المشرق عدو الله اللعين الدجال، بجحافل متلاطمة الأمواج كالجبال، فتكدر بظهوره المناهل والمشارب، وينجم بنجومه الكواهل والغوارب، وتمسك السماء قطرها، والأرض نباتها، وتعدم كل نفس صبرها وثباتها، ويشتد الجهد والغلاء، ويمتد الضر والبلاء، فتقوي الديار، وتخرب المرابع، وتقفر الآثار، وتمحل المراتع، ويهلك الخف والحافر، ويودي الصائح والظافر، حتى لا يسمع صياح راغية، ولا يطمع في رواح ثاغية، ويعيش المؤمنون في ذلك الزمان بالتسبيح والتكبير والتهليل، ويجري ذلك عليهم مجرى الطعام إلا القليل، وتخرج أهل طيبة منها وهي أطيب ما تكون بالنسبة إلى غيرها وأينع، ويفارقونها فرقاً من الدجال وليس له فيها مطمع، وترجف بمن فيها رجفات فتنفي الخبث عن تلك البقاع، وتبقى مذللة لعافية الطير والسباع، وهذه فاتحة كل حادثة لنار الفتن مؤرثة، وسابقة كل كارثة للأسى والوهن مورثة.
ثم يسير ومعه نهر من ماء وجبل من ثريد، ويوهم أنه رب معبود وهو من أخس العبيد، فيحتوي على معظم البلاد والنوادي، ويكون أكثر من يؤمن به أهل البوادي، وذلك لما يخيل لهم من قدرته، ويطمعون فيه من حسن عشرته.
فإذا وصل المدينة، على ساكنها أفضل الصلاة والسلام، صد عنها وصوف وجهه إلى الشام، فيرجع بإياس مولد للحسرات، وهم مصعد للزفرات، ويتوجه إلى الشام بأنواع من الكفرة متتابعة الأفواج، وأتباع من الفجرة متدافعة الأمواج.
ويسير إلى الأرض المقدسة بخيله ورجله ويجل بمحل هلاكه تقله رجله، وهي يومئذ مقر الإمام المهدي ومحل مسيرته، ومجتمع أنصاره وأعوانه وأسرته،