للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأحد أن يجاوزَها (١)


(نصب الراية ١/٤٧٣) ، وكذلك أخرجه الطبراني في معجمه وأخرج الشافعي والبيهقي عن أبي الشعثاء أنه رأى ابن عباس يردُّ من جاوز الميقات غير محرم، وروى إسحاق بن راهويه عنه أنه قال: إذا جاوز الوقت فلم يحرم حتى دخل مكة رجع إلى الوقت فأحرم، فإن خشي إنْ رجع إلى الوقت يفوت الحج، فإنه يُحرم ويهريق دماً. وبهذه الأخبار وأمثالها حرَّم الجمهور المجاوزة عن المواقيت بغير إحرام، لكن الشافعية خصُّوه بمن يريد أداء النسك، وأصحابنا عمَّموه، وذهب عطاء والنَّخَعي إلى عدم وجوب الإِحرام من المواقيت، وقال سعيد بن جبير: لا يصح حجّه، وقال الحسن: يجب على المجاوز العَوْد إلى الميقات فإنْ لم يَعُدْ حتى تمَّ حجُّه رجع للميقات وأهلَّ منه بعمرة. وهذه الأقاويل الثلاثة شاذة ضعيفة، قاله ابن عبد البر وغيره.
(١) قوله: أن يجاوزَها، وأما تقديم الإِحرام عليها فجائز اتفاقاً، حكاه غير واحد. وحكى العيني في "شرح الهداية" أنَّ عند داود الظاهري إذا أحرم قبل هذه المواقيت فلا حج له ولا عمرة، وهو قول شاذ مخالف لفعل السلف وقولهم، فقد أحرم ابن عمر من بيت المقدس، بل ورد في فضله حديث أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه وابن حبان مرفوعاً: من أهلَّ بحجة أو عمرة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام غُفر له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخَّر، ووجبت له الجنة. هذا لفظ أبي داود، وفي سنده ضعف يسير، ذكره الحافظ ابن حجر في "تخريج أحاديث شرح الرافعي"، وذكر القرطبي أنَّ إحرام ابن عمر وابن عباس كان من الشام، وإحرام عمران بن حصين من البصرة وابن مسعود من القادسية، وإحرام علقمة والأسود والشعبي من بيوتهم، وسعيد بن جبير من الكوفة رواه سعيد بن منصور، وأخرج الحاكم في "المستدرك" أنه سُئل عليّ عن قوله تعالى: {وأتمّوا الحج والعمرة لله} فقال: أن تُحرم من دويرة أهلك. وفي الباب آثار كثيرة تشهد بجواز التقديم إلاَّ أن مالكاً وأحمد وإسحاق كرهوه كما ذكره العيني وغيره، وقال أصحابنا: هو أفضل إن أَمِن من أن يقع في محظور.

<<  <  ج: ص:  >  >>