للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والتهذيب- أنّهم لا يحبّون أن يظهر للناس من نفوسهم ما يؤاخذون به، أو يعاب عليهم. وفي القرآن الحكيم عدّة آيات نبه الله فيها رسوله على بعض خطئه، فكان الرسول يتلو هذه الآيات كلّها على الناس، ويدعوهم إلى حفظها وإلى تلاوتها في الصلاة والمساجد، ولا تزال هذه الآيات كأخواتها- تتلى بألسنة أتباع محمد رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فحيثما يبلغ انتشار الدّين المحمّديّ، ويدين به كثير أو قليل من الناس تتلى هذه الآيات، ولولا أنّ هذه الأمور ذكرت في القرآن لما انتشر العلم بها هذا الانتشار، وهكذا السيرة الطاهرة، والحياة الكاملة هي التي تتّضح للجميع بمثل وضح النهار أو أشد.

[لو كتم الرسول شيئا لكتم ما في القرآن من مؤاخذته:]

كان العرب في الجاهلية ينكرون نكاح الرّجل مطلقة متبناه، وقد تزوج الرسول زينب التي كانت من قبل زوجا لمتبناه زيد بعد أن طلقها، فوردت هذه القصة في القرآن ببيان صريح، وإنّ أمّ المؤمنين عائشة تقول: لو كتم رسول الله صلّى الله عليه وسلم شيئا من القرآن لكتم هذه الآية (أي: قصة طلاق زيد لزوجه زينب وزواج النبي صلّى الله عليه وسلم بها) لكيلا يسيء فهمها الجهلاء وضعاف العقول، لكن الرسول صلّى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك، أليس هذا مما يدل على أنّه صلّى الله عليه وسلم لم يكتم من أمره شيئا ولا خفي على الناس شيء من سيرته.

كلمات كبار المستشرقين في المقارنة بين محمد صلّى الله عليه وسلم والذين قبله:

وجدير بالذكر شهادة الفاضل الإنجليزي باسورث سميث «١» ؛ إذ يقول:

«ترى الشمس هاهنا بارزة بيضاء، تنير أشعتها كلّ شيء، وتصل إلى كل شيء. لا شك أن في الوجود شخصيات لا نعلم عنها شيئا، ولا نتبين حقيقتها أبدا، أو تبقى منها أمور مجهولة، بيد أنّ التاريخ الخارجي لمحمد صلّى الله عليه وسلم نعلم جميع تفاصيله من نشأته إلى شبابه، وعلاقته بالناس، وروابطه، وعاداته، ونعلم أول تفكيره، وتطوره وارتقاءه التدريجي، ثم


(١) هو مستشرق أمريكي، مات سنة ١٨٥٧ م.

<<  <   >  >>