كانت عظيمة كاملة، ونفسه كانت أحبّ النفوس إليهم، وأعظمها في أعين أصحابه وأحبابه؛ لما فدوه بأنفسهم. ومن أجل ذلك كانت حياة النّبيّ صلّى الله عليه وسلم أسوة لأصحابه،
ومحبته ذريعة لمحبة الله، فقال الله عزّ وجلّ: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ [آل عمران: ٣١] فجعل اتّباع الرسول في أخلاقه وأعماله، والاقتداء بسنته وهديه من علامات حبّهم لله، ومن السّهل أن يبذل الإنسان نفسه حميّة لدينه لأمر يعرض له فجأة، ولكن من العسير أن يقتدي المرء مدّة حياته كلّها في جميع أطوارها، وشعبها، ومناحيها بهدي شخص وسننه اقتداء كاملا، لا يحيد عنه، ولا يعدل إلى شيء غيره، أما أصحاب محمد رسول الله صلّى الله عليه وسلم؛ فإنهم اتبعوه في جميع أخلاقهم، وأعمالهم، وسائر نواحي حياتهم وطرقها، واقتفوا أثره، وامتحنوا في ذلك امتحانا شديدا، وأبلوا فيه بلاء عظيما، ثم خرجوا من هذا الامتحان فائزين. وإنّ الولع الشديد بالرسول، والمحبّة الصادقة له قد حمل الصحابة والتابعين وتابعي التابعين، ثم المحدّثين ومؤلفي السير والمؤرخين، على أن يعنوا عناية كبرى بجمع كلّ ما يتعلق بالرسول صلّى الله عليه وسلم من قول وعمل، وأمر ونهي، وحديث وخلق، وأن يبلغوا ذلك للذين يأتون بعدهم، فأحسنوا كلّ الإحسان ووفوا هذه المهمّة حقها، ليعمل بهذه الهداية كلّ مسلم ما استطاع، ولولا أنّ حياة محمد صلّى الله عليه وسلم كانت كاملة وعظيمة في عيون أصحابه؛ لما اعتبروا اتّباعه شرفا لهم وكمالا، ولما عدّوا الاقتداء به ملاك السّعادة، وأصل الهناء، وقوام الخير.
فالإسلام قرّر أنّ حياة محمد هي المثل الكامل لجميع المسلمين، وينبغي بيان جميع نواحيها، وشعبها، ووجوهها للناس كافّة، وقد حقّق المسلمون ذلك، وحرصوا على تعرف ذلك وبيانه، فلم تخف منه خافية، ولم تفقد ولا حلقة واحدة من سلسلة الحياة النبوية المباركة، فجميع أحواله وشؤونه مسطورة في كتب التاريخ، ومن ذلك يستدلّ على أنّها كانت حياة كاملة، ولا تكون كذلك إلا إذا كانت واضحة ناصعة معلومة من كل وجوهها ونواحيها، جامعة لجميع المحامد، شاملة لأكرم الأخلاق وأحسن التعاليم.