وفي البشر طوائف مختلفة، وفرق شتّى، تحتاج كلّها إلى حياة مثالية تكون نموذجا لها في حياتها ومعيشتها. ولكلّ إنسان من هذه الطوائف أعمال وأحوال تتقلب عليه بتقلب الظروف: بين قيام، وقعود، ومشي، وأكل، وشرب، ونوم، ويقظة، وضحك، وبكاء، وارتداء الملابس، وخلعها، وأخذ، وعطاء، وتعلّم، وتعليم، وقد يموت حتف أنفه، أو يقتل، ويكون محسنا لغيره، أو محتاجا لإحسان الآخرين إليه، وقد يكون في عبادة ربه، أو في معاملة الناس، ومعاشرتهم، وقد ينزل على غيره ضيفا، أو يستقبل الضيف ويقوم له بحقّ القرى. هذه الأحوال وغيرها تطرأ على الإنسان، وتعرض له فيما يتعلّق بجسمه، وجوارحه، فيحتاج في كلّ حال منها إلى هداية نافعة، وأسوة كاملة.
وأعظم من الأسوة في أعمال الإنسان الظاهرة، الأسوة فيما يتعلق بخطرات القلوب، ومجالات الفكر، ونزعات العواطف، فنحن نشعر بين كلّ حين وآخر بنزعات، وعواطف، تخالج قلوبنا وأفكارنا، فنرضى ونسخط، ونفرح ونحزن، وتعترينا السكينة والطمأنينة، أو القلق والضجر.
وتترتب على هذه الأحوال عواطف مختلفة، ونوازع متعدّدة. وليس الخلق الحسن إلا التعديل بين هذه الأحوال، وإقامة الوزن بالقسط بين العواطف القوية والنوازع الثائرة، ولا يحظ بنصيبه من مكارم الأخلاق إلا الذي يعرف كيف يكبح النفس عند جموحها، ويحسن التصرّف فيها وقت ثورتها، ومع ذلك فلا بدّ للإنسان من إمام تكون له فيه الأسوة التامة في هذه الأمور، فيأتمّ به في قهر هذه القوى الثائرة، والعواطف المتوثبة إلى أن تسكن ثورة نفسه، ويسلك في ذلك مسلك قدوته الأعظم، وهو النبي صلّى الله عليه وسلم؛ الذي يحمل بين جنبيه قلبا زكيا، ونفسا طاهرة، وروحا عالية نزيهة.
حياة محمد صلّى الله عليه وسلم جمعت ما تفرق في الأنبياء مما امتازوا به:
وهكذا المرء في كلّ خلّة من خلال العزيمة، والشجاعة، والشكر، والتوكل، والرّضا بالقدر، والصبر على النوائب، والتضحية، والقناعة، والاستغناء، والإيثار، والجود، والتواضع، والمسكنة، وسائر ما يطرأ