ما شهد به لمحمد صلّى الله عليه وسلم أقرب الناس إليه وأعرفهم به:
وإن أم المؤمنين عائشة التي صحبت الرسول تسع سنوات، وكانت أحبّ أزواجه إليه بعد خديجة تقول في وصفه صلّى الله عليه وسلم: إنه لم يكن يعيب أحدا، ولا يجزي على السوء بسوء، بل كان يعفو، ويصفح، وكان بعيدا عن السيئات، إنه لم ينتقم من أحد لنفسه، ولم يضرب غلاما، ولا أمة، ولا خادما قطّ، بل لم يضرب حيوانا، ولم يردّ سائلا إلا إذا لم يكن عنده شيء.
وعليّ صحب النبيّ صلّى الله عليه وسلم منذ صباه إلى أن شبّ، فلم يكن أحد من أهل بيته أعلم منه بأخلاقه صلّى الله عليه وسلم، وهو يشهد لرسول الله أنه كان طلق الوجه، ليّن الجانب، خافض الجناح، دمث الأخلاق، رحيما، ولم يكن فظا، ولا جافيا، ولا ينطق بسوء، ولا يتتبع عورات الناس، ولا يتجسّس على عيوبهم، فإن سأله أحد ما لا يرضى؛ سكت، ولم يبد له ما يسخطه، فيفطن من يعلم خلق الرسول ماذا يريد: لأنه لم يكن يحب أن يكسر قلب أحد بل كان يأسر القلوب، ويؤلفها؛ لأنه كان رؤوفا رحيما. فيقول عليّ كرم الله وجهه: إنّه صلّى الله عليه وسلم كان كريما، جوادا، وفياضا سخيا، صادق القول، ليّن العريكة، من جالسه أحبّه، ومن رآه بديهة هابه، ويقول عنه ناعته: لم أر مثله قبله، ولا بعده. وقد أبدى (كبّن) المؤرخ الإنكليزي الذائع الصيت هذا الرأي نفسه حين درس سيرة الرسول صلّى الله عليه وسلم.
ويشهد هند- ابن خديجة «١» من زوجها الأول، وهو ربيب الرسول في حجره- أنّه صلّى الله عليه وسلم كان ليّن الطبع، غير جاف ولا فظ، ولم يكن يسيء إلى أحد، ولا يصدر عنه نيل من شرف أحد، أو غضّ من كرامته، وكان يشكر
(١) هو هند بن أبي هالة، وهو ربيب رسول الله صلّى الله عليه وسلم، أمّه أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها، وكان أبوه حليف بني عبد الدار. واختلف في اسم أبي هالة، كان زوج خديجة رضي الله عنها قبل النبي صلّى الله عليه وسلم، فولدت له هند بن هند، وابن ابن ابنه هند بن هند بن هند. وشهد هند بن أبي هالة بدرا، وقتل مع علي- رضي الله عنه- يوم الجمل، روى هند بن أبي هالة حديث صفة النبي صلّى الله عليه وسلم.