للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويستفتح على المشركين، ويسجد لله تارة وهو يقول: «اللهمّ أنشدك عهدك ووعدك! اللهمّ إن شئت لم تعبد بعد اليوم!» «١» .

وربما وقع الخلل في صفوف المسلمين، وتفرقوا عن الرسول، فيبقى هو ثابتا في موضعه كالجبل الذي لا يزعزعه شيء واثقا بربه متوكلا على تأييده راجيا نصره، كما وقع في سفح أحد حين تفرق عنه أكثر الصحابة، فثبت هو مكانه، والمشركون تارة يحملون عليه بالسيوف، وأخرى يشدّون عليه بالرماح، ويرمونه أحيانا بالحجارة والسهام، حتى انكسرت ثنيته، وشدخ رأسه، ودخلت في رأسه حلقة المغفر، ففي تلك الساعة الرهيبة كان واثقا بنصر الله الذي وعده بعصمته فلا يخذله، وكذلك وقع في حنين حين كانت سهام المشركين تقع على المجاهدين المسلمين كالمطر، فتفرّق المسلمون، لكنّ الرسول صلّى الله عليه وسلم لم يبرح مكانه، بل ظلّ ثابتا يدعو الناس إلى الله وهو يقول:

أنا النّبي لا كذب ... أنا ابن عبد المطلب «٢»


(١) راجع السيرة النبوية لابن هشام و «زاد المعاد» لابن قيم الجوزية، ورواه مسلم في كتاب الجهاد والسير عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: «لما كان يوم بدر نزل رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأصحابه ثلاثمئة وتسعة عشر رجلا، فاستقبل نبي الله صلّى الله عليه وسلم القبلة ثم مدّ يديه، فجعل يهتف بربّه «اللهمّ! أنجز لي ما وعدتني! اللهمّ آت ما وعدتني! اللهمّ! إنّك إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض!» فما زال يهتف بربّه مادّا يديه، مستقبل القبلة حتى سقط رداؤه عن منكبيه. [مسلم (٤٥٨٨) ] . لقد شفع الرسول صلّى الله عليه وسلم لهذه العصابة المؤمنة في هذه الساعة الحاسمة الدقيقة، بالكلمة الوجيزة التي تجلت فيها الثقة والاضطراب والسكينة والافتقار جنبا لجنب، فكانت أدق تعريف بهذه الأمة وأدق تحديد لمركزها ومكانتها بين الأمم، وقيمتها وغنائها في هذا العالم، والثغر الّذي ترابط عليه، وهو الدعوة إلى الله، وإخلاص الدين، والعبادة له. وقد أثبت الانتصار الرائع المعجز الّذي أبطل كل تجربة، صدق هذه الكلمة ودقتها، وأنها كانت تصويرا دقيقا لهذه الأمة. (العلامة أبو الحسن علي الحسني الندوي في «السيرة النبوية» ص ٢٢٣، طبع دار ابن كثير، دمشق) .
(٢) رواه البخاري في المغازي، باب غزوة حنين (٢٨٦٤) ومسلم في الجهاد والسير، باب غزوة حنين (٤٦١٥) .

<<  <   >  >>