يستوي فيهم التتار، والإفرنج؛ ذلك لأنّ إله رسول الله محمد صلّى الله عليه وسلم هو إله جميع الأمم، وهو ربّ العالمين الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ [الفاتحة: ٢] فهو لأجل ذلك مرسل للإنسانية كلّها رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ [الأنبياء: ١٠٧] فرسالة الإسلام رسالة تعمّ جميع البشر إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرى لِلْعالَمِينَ [الأنعام: ٩٠] تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً (١) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [الفرقان: ١- ٢] ، فمحمّد صلّى الله عليه وسلم نذير للدنيا كلّها، ورسالته تعمّ العالم أجمع، وحينما ينفذ حكم الله فلتكن شريعة الإسلام قائمة ورسالة محمّد نافذة، وقد جاء في سورة الأعراف قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [الأعراف: ١٥٨] وهذه الآية تعلن عموم الرسالة المحمدية إلى كل من يبلغه نداؤها، وتصل إليه دعوتها وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ [الأنعام: ١٩] . فثبت من هذه النصوص أنّ الإسلام وحده هو الذي أعلن عموم دعوته للإنسانية كلّها، وأنّه هو الدّين التامّ الكامل الجامع للمحاسن، ولن يأتي بعده دين غيره، جاء في صحيح مسلم: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: «بعث الأنبياء قبلي إلى أممهم خاصّة، وبعثت إلى الأمم كلّها عامّة» وهذا يؤيد دعواي، والتاريخ يشهد لها شهادة لا ترد، وكما أنّ السيرة المحمّدية كاملة تامّة، وفيها الأسوة لجميع البشر، كذلك دين الإسلام الذي جاء به محمّد صلّى الله عليه وسلم كامل دائم، وفيه صلاح العالم ورشاده.
الدّين إيمان وعمل، ولم يجتمعا إلا في الإسلام:
ولسائل أن يقول: دلوني على حقيقة الرّسالة المحمّدية التي أكمل الله بها الأديان، وتمّت بها نعمة الله على العالمين، وبها بعث الله خاتم أنبيائه بالسيرة الكاملة، والأسوة الشاملة لجميع البشر مدى الدّهر، والجواب على ذلك أنّ الدّين يشتمل على أمرين: أمر يتعلّق بقلب الإنسان، ويسمى:
(الإيمان) : وآخر يتعلّق بجوارحه، وبما يملكه، ويدعى (العمل) . والعمل ينقسم إلى ثلاثة أقسام: أولها يتعلق بالله وهو العبادة، والثاني يتعلق بما يتعاطاه الناس بعضهم مع بعض وهي المعاملات، ومعظمها القوانين والأصول، والثالث يتعلّق باداب النفس وآداب المجتمع وهي الأخلاق،