والمرافق مما لا يعدّ كثرة، ولا يحصى وفرة، ولهم السماء وما فيها من الشمس، والقمر، والنجوم وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّراتٌ بِأَمْرِهِ [النحل: ١٢] ، ولهم البحر وفيضانه، والنهر وجريانه وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها وَتَرَى الْفُلْكَ مَواخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [النحل: ١٤] والقرآن الحكيم حافل بكثير من هذه الآيات.
[الرسالة المحمدية عرفت الناس بأقدارهم وأنزلتهم منازلهم:]
فدلّت الرسالة المحمدية بذلك على أنّ موقف الإنسان من هذا العالم موقف السيد الكريم ممّا سخّر له، وموقف المتوّج بتاج الخلافة الإلهية من كل ما هو مستخلف فيه، فالإنسان مكلّل بإكليل الجلال والعظمة، لا يفوقه شيء من موجودات الكون، والكون كلّه دون الإنسان، وهو نقطة دائرة العالم، وإنسان عينه، والغاية من خلق العالم، ولأجله جعلت الدّنيا.
ومما يثير العجب أن يركع الإنسان لمخلوق، أو يسجد لما هو دونه، أو يعبد شيئا خلقه الله له، وكيف يفعل الإنسان ذلك؛ وقد كرّمه ربه، وشرّفه، وفضله على جميع ما في العالم تفضيلا؟!
ولما جهل الإنسان قدر نفسه جعل يرفع رجالا من أمثاله فوق درجاتهم، ويحلّ أناسا في مكانة رفيعة لا يستحقونها، وقد كان يبلغ الأمر بالإنسان إلى أن يعبد الإنسان. أما رسالة محمد صلّى الله عليه وسلم فقد عرّفت الناس بأقدارهم، وأنزلتهم منازلهم، وأعطت كلّ ذي حقّ حقه، فلم تنقص من حقّه شيئا، ولم ترفع أحدا من الناس فوق مكانته التي يستحقّها، فكما لم تحطّ عزيزا عن عزته الجدير بها؛ لم ترفع أحدا فوق المقام اللائق به، وبذلك دلّت الإنسان على شرفه وعلائه، وعلّمته أنّه مهما كان رفيعا، وذا سلطة وبأس؛ فإنه لن تبلغ به رفعته أن يعبد كما كان يريد الفراعنة أن يعبدوا، ومهما كان طاهرا عابدا متبتلا؛ فلا ينبغي لإنسان أن يركع له، أو يرجو منه ما لا يرجى إلا من الله، أو يخشاه كخشية الله، ومهما حاز من المال الكثير، والثراء العظيم؛ فليس له أن يستعلي بذلك على إخوانه من خلق الله. إنّ رسالة