للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الواقع، والمخطىء الآثم بجبلّته يحتاج إلى المغفرة من شخص آخر لم يولد آثما، ولم يخطىء بجبلّته، فيفدي هذا الشخص الأخير بنفسه خطيئة بني آدم ليذهب بسيئاتهم، وهذا ما نشرته المسيحية المعروفة عند الناس داعية بني آدم إلى الإيمان بالفادي.

أما محمد رسول الله؛ فقد بشّر الإنسان بأنه يولد غير آثم، ولا مجبول على الخطيئة، ولا مسؤول عن خطيئة أبيه الأول آدم، وأنه يعيش عيشة لا إكراه فيها، ولا إجبار، وهو مخير في حياته بين أن يعمل صالحا إن شاء، فيجني ثمرة صلاحه ونزاهته، وبين أن يعمل عملا سيئا، فيكون بعمله مذنبا آثما وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (١) وَطُورِ سِينِينَ (٢) وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (٣) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (٤) ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ (٥) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ [التين: ١- ٦] .

فالإسلام بشّر بني آدم بأن قوامهم أحسن، وفطرتهم أفضل، وجبلتهم أعدل، وأنهم بعد هذا الإعداد الإلهي إنما يفسدون، أو يصلحون بأعمالهم، وبما يختارونه لأنفسهم وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها (٧) فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها (٨) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها (٩) وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها [الشمس: ٧- ١٠] .

وهل من دليل أوضح على حسن جبلة «١» الإنسان ونزاهة فطرته، وطهارة أصله من قول الله فيه إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً (٢) إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً «٢» [الإنسان: ٢- ٣] .

يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (٦) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (٧) فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ [الانفطار: ٦- ٨] .

[الدين والفطرة كلمتان لمدلول واحد:]

وإنّ رسول الله الذي يتحرّك لسانه بالوحي، ويصدر منطقه عن إلهام، قد جعل الدّين والفطرة بمعنى واحد، أي: إنهما كلمتان لمعنى واحد،


(١) الجبلة: الخلقة.
(٢) أمشاج (جمع: مشج) : أخلاط ممتزجة متباينة الصّفات.

<<  <   >  >>