للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الهدى والضّلال بما كسبت أيدي الناس:

إنّ العالم لا يضل ولا يغوي، ولا يرشد ولا يهدي، ولكنّ الإنسان هو الذي يهتدي بسليم فطرته، وسديد رأيه، وسلامة قلبه، أو يضل بسوء تفكيره، وخطل رأيه «١» ، وقبح تأمله. وإن شئت قلت: إنّ العالم يهدي من يهتدي به، ويضلّ من يضل به. وما أنزل الله من كتبه- التوراة، والإنجيل، والقرآن- يهدي الذين يحسنون تدبره، وتلاوته، فتطمئنّ قلوبهم إلى ما فيه من حقّ، ويؤمنون به، وآخرون يتلون ما أنزل الله من حقّ فيزدادون ريبا به، ولا تسكن نفوسهم إليه، فيجحدون، ويكفرون، مع أنّ الكلام واحد، إلا أن تأثيره في القلوب مختلف: فيخرج هذا منه مؤمنا به، ويخرج ذاك منه كافرا به، وكلاهما من خلق الله الواحد، والذي يستنتج من كثرة الأفعال، وتعدّدها، واختلافها كثرة الفاعلين؛ فقد أخطأ، وإنّ بيد الله تعالى الخير والشرّ، والهداية، والضّلال، وكل ما ترى في الكون، وفي الناس من ضروب العجائب وأنواع الغرائب، فهي من بديع السموات والأرض وجميل صنعته وعظيم قدرته، فهو الذي لا إله إلا هو وحده لا شريك له يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ (٢٦) الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ [البقرة: ٢٦- ٢٧] .

وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ [البقرة: ٢٦٤] .

فهذه الآيات تدلّ على أنّ الضلال والهدى يرجعان إليه عزّ وجل، لكن الإنسان هو الذي يختار بادىء ذي بدء ما يفضي به إلى الضلال أو الهدى، فمن فسق عن أمر ربه، أو قطع الرحم، وأفسد في الأرض، وكفر، جاءه من الله الضلال، والضّلال لا يتقدّم الفسق، والقطيعة، والإفساد في الأرض، بل هو يعقب هذه الخلال، ويتلوها.

إنّ الله عزّ وجل خلق بني آدم، ودلّهم على الخير والشرّ، وبصّرهم


(١) الخطل: المنطق الفاسد المضطرب.

<<  <   >  >>